باسمك اللهم؛ معبودًا بالقصد، مستعانًا

باسمك اللهم؛ معبودًا بالقصد، مستعانًا على المرحمة:

ما شنَّعتُ على دم الغلو؛ إلا بشَّعتُ فرث التفريط.

فأقول: الغلوُّ المقيتُ الشنيعُ، وأقول: التفريطُ الخبيثُ المهلكُ.

لكنَّ أخا الغلو يعمى بهواه عن الأخرى؛ فيقول: ما بال التفريط؟!

وأخا التفريط يهوى بعماه عن الأولى؛ فيقول: ما بال الغلو؟!

لا عجب! لم ينفضَّ تنافسهما بعد؛ أيُّ بضاعتيهما أقبحُ وأوقحُ!

كما أني لم أذمَّ مذمومهما؛ إلا بعباراتٍ كليةٍ مجملةٍ؛ لا أتجاوزها.

قاصدًا في الطائفتين الإيجاز لسببين؛ ثبَّت الله على تسديده القدمين.

ومع ذلك؛ يبهَتُك كلُّ فريقٍ -بعصبيةٍ غبيةٍ- أنك تُجمل ولا تبين.

ذلك أن الغلاة قبح الله غلوهم؛ لا يرضيهم دون تكفير مخالفهم شيءٌ.

فمهما قلتَ: ضلالٌ بعيدٌ مبينٌ؛ فإنهم لا يرضون. وتعسًا لرضاهم.

أولئك قومٌ لا يروي غليلهم في نظرٍ إلا “كَفَرَ”، وفي عملٍ إلا “الدم”.

كذلك المفرطون قاتل الله تفريطهم؛ لن يرضيهم دون خارجية الغلاة نعتٌ.

فمهما قلتَ: غلوٌّ مركبٌ مظلمٌ؛ فإنهم لا يرضون. وتعسًا لرضاهم.

لا أجهل دوافع التصنيف؛ النفسية، والأيديولوجية، والحزبية، والاجتماعية.

لكنَّ سببًا آخر أحدُّ هنا من كل هذا: ضرورة عنوانٍ فوق هذه الحرب.

فكان عنوان الغلاة: حرب الردة، وكان عنوان المفرطين: قتال الخوارج.

حتى إذا استباح الأول الدم؛ قال: مرتدٌّ، وإذا فجر الثاني؛ قال: خارجيٌّ.

وبين هؤلاء وأولئك باردٌ -ودماءُ المسلمين تفور- يقول: كذلك الحرب.

لتكن الحرب كذلك؛ فواجب العقلاء خارجَها إطفاؤها؟ أم إضرامها؟!

يا مخربي الجهاد من الطائفتين؛ هدى الله مساكينكم، وتولى بالأدب كبراءكم.

أما المتكئون هنا على الأسِرَّة؛ يعملون عمل الضُّرَّة؛ فقبحهم الله بالمَرَّة.

الأمر فصلٌ ليس بالهزل؛ دمك هناك بيدك يسيل؛ فأعن له لا تعن عليه.

واسقِ اللهم أمة حبيبك؛ من بين فرث التفريط ودم الغلو؛ رَواءً سلسبيلًا.

أضف تعليق