شيوخ الحيض والنفاس! هذه مقولةٌ

شيوخ الحيض والنفاس!

هذه مقولةٌ فاسدةٌ نكراءُ من وجوهٍ، لا تسُوغ من أي أحدٍ بأي قصدٍ؛ يقال: عامة المشتغلين بالفقه لا يتجاوزون هذا الباب إلى غيره.

الوجه الأول: أن هذا الباب الكريم من جملة أبواب شريعة الرب علا وتعالى، وشريعة الله ثقيلةٌ كلها، مجيدةٌ كلها، لازمةٌ كلها.

الوجه الثاني: أنه من أخص أبواب الطهارة، والطهارة من أخص شرائط صحة الصلاة، والصلاة من أخص أركان الإسلام.

الوجه الثالث: أن من خبر حال غالب نسائنا -أكرمهن الله- في هذا الباب؛ عرف سعة حاجتهن إلى فقهه، لا سيما الطوارئ فيه والعوارض.

الوجه الرابع: أن عامة المشتغلين بهذا الباب لا يتقنون دقائق مسائله، بل لهم منه صورته، كما هو شأن الكثرة الكاثرة في غيره.

الوجه الخامس: أن كثيرًا من المتهوكين اليوم في مصائر الناس؛ هم المستخفون بالأمس بمسائل الحيض والنفاس، ونحوها مما هو بالفقه أساسٌ.

الوجه السادس: أن الجهل المركَّب بأبواب السياسة الشرعية والجهاد ونحوها؛ لا يُرفع بالتشنيع على أبوابٍ من الملة أخرى.

نحن في عامة (ديننا ودنيانا) اثنان غاب ثالثنا؛ إما متطرفٌ إلى ميمنةٍ، وإما متطرفٌ إلى ميسرةٍ، والثالث القليل سبيلُه التوسط.

لا أقول: إن مسائل الإسلام سواءٌ، ولو كانت كذلك لاستوت أركانه وواجباته ومستحباته ومكروهاته ومحرماته ومباحاته.

يا رسُل رسول الله في العالمين: لا ترفعوا للخونة والدراويش بينكم رؤوسًا، لكن لا تكونوا في نقض شعبٍ من الدين فؤوسًا.

إنَّ للإسلام خارطةً؛ تفرَّد الله بوضعها، واستأثر بحدِّ حدودها.

وما جنى في العالمين عليها -أسيفًا أكتب هذا- كقبائل الإسلاميين.

فأظهِروا كلَّ ما بها، وزِنُوا بالقسطاس أوزانها، وأوقعوها على مواقعها.

ألا إنَّ من كتم شيئًا منها، أو بدَّل وزنه، أو موقعه؛ فقد خان الله والإسلام.

قد يئس الشيطان أن يُحرِّف أولو الإسلام بيانه، لكنه رضي أن يبدلوا أوزانه.

أما قديمًا؛ قبل أن يفترق القرطاس والسيف:

كانا على الحق أخوين حميمين، متساندين لا متعاندين.

كان القرطاسُ صفحةَ السيف، وكان السيفُ ريشةَ القرطاس.

لا يضرب السيفُ إلا بنور القرطاس، ولا يُسْطَرُ القرطاسُ إلا بظل السيف.

لم يقلِّد رسولُ الله أبا هريرة سيفَ خالدٍ، ولم يناول خالدًا قرطاسَ أبي هريرة.

لكنه علَّم الشيخ صَفَّ قدميه في الجند؛ حين يُثني القائدُ ركبتيه في الحلقة.

أضف تعليق