قال: يا بني؛ كيف تجد

قال: يا بني؛ كيف تجد قلبك؟

قال: قلبٌ أُشرب الذنوبَ حتى أظلم، كبِّر عليه أربعًا لا خير فيه.

قال: بل هو قلبٌ محبٌّ لله وإن عصاه، راغبٌ في القرُبات وإن فرَّط فيها، مبغضٌ للذنوب وإن قارفها.

يا بني؛ مهما أسأت الظن بنفسك -وذلك حقٌّ- فأحسن الظن بالله.

يا بني؛ إن مولاك كبيرٌ كريمٌ.

كبيرٌ هو الله جلَّ جلاله؛ فمهما كبُر ذنبك في نفسه وفي نفسك؛ فهو إلى كِبَرِ غفران الله صغيرٌ حقيرٌ.

وهو الكريم علا وتعالى، ولست أدري -يا بني- عن أي معنىً في كرمه -تقدَّس- أحدثك؛ لكني أصطفي لك من معانٍ له لا تُحصى ولا تُستقصى معنيين اثنين، يليقان بما ذكرت عن قلبك الصغير.

“الكريم -سبحانه- هو الذي يعطي بالتعرُّض، ويعطي بلا سببٍ”.

ذلك الذي وصفت به قلبك -بني- نوعٌ من أنواع التعرض لغوث الله؛ فقد جعلت ميزان وصفك له ما بينه وبين الله؛ فلما وجدته بعيدًا عن الله -وأنت محبٌّ له راغبُ فيه خائفٌ منه- قلت فيه ما قلت.

وأما قولك: “كبِّر عليه أربعًا لا خير فيه”؛ فهو معنى عجزك عن إدراك أسباب العافية، أو عجزك عن الانتفاع بها، أو عجزك عنهما جميعًا؛ وهنا يتجلى كرم ربك الأكرم إذ يعطي -تبارك- بغير سببٍ.

قال: لله رأفتُك ورحمتُك بي أبتِ، تلك نعمةٌ تمنُّها عليَّ ما حييت.

قال: لئن أعجبك برُّ أبيك بك فلقد أدهش أباك عطاء الله! ما جرى حرفٌ مني إليك -بلطفٍ وعطفٍ- إلا بقدَرٍ من الله، وإن ربك لا يقدُر شيئًا عبثًا؛ أفتظن أنه أراد بك سوءًا وقد دلَّك عليه بإحسانٍ؟

يا بني؛ اعرف ربك؛ من عرف الله أحبه، ومن أحبه أطاعه، فإذا عصاه أناب إليه، لا ييأس من رحمته وقد خَبَرَ سعتها بنفسه، ولا يقنط من عفوه وقد علم أنه حبيبٌ إليه؛ تلك أحوال العارفين الله.

يا بني؛ ظُنَّ بربك ما يليق به لا ما يليق بك؛ فقد أتانا أنه يؤمر برجلٍ إلى النار، فيلتفت، فيقول: ياربِّ؛ ما كان هذا ظني بك، قال: “وما كان ظنك بي؟” قال: كان ظني أن تغفر لي ولا تعذبني وأن تسَعَني رحمتك، قال: “فإني عند ظنك بي؛ خلُّوا سبيل عبدي”. يا بني؛ هذا الله الذي نعرف؛ لا نعرف ربًّا غيره، ولا نعرف عن ربنا إلا ذا؛ أن رحمته سبقت غضبه، وأن عفوه غلب عقابه، وأنه كبيرٌ كريمٌ.

بني؛ كيف تجد -الآن- قلبك؟

قال: أجده -بما قلتَ- مطمئنًّا برحمة الله، طامعًا في سعتها، خائفًا من فواتها، يا أبتِ؛ إني أحببت الله.

أضف تعليق