الصبر في مجاهدة العدو ليس كالصبر في سائر البلاء أو على الطاعة أو عن المعصية؛ ذلك صبرٌ لا ينفع أهله إلا كثيرًا وفيرًا؛ ولذلك ألهم الله -جلَّ جلاله- داود وأصحابه -في قتال جالوت وأصحابه- أن يقولوا: “رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا”، كما ألهم شهداء موسى -لما توعَّدهم فرعون بالويل- أن يقولوها.
فأما الأولون فأظفرهم الله بما أفرغ عليهم من صبرٍ وأنالهم من أسبابٍ، وأما الآخرون فكانوا أول النهار سحرةً وآخره -بمنهمر الصبر- شهداء؛ يقولون -لا يبالون-: “لَا ضَيْرَ إِنَّآ إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ”.
أيها المجاهدون صانعو النهار؛ إن قلوبكم العَطَاشى وجوارحكم الظِّماء -مع حَرِّ الكفر ولَفْحِ منازلته- لا يبردها إلا صبرٌ منسكبٌ دفاقٌ؛ فاضرعوا إلى السماء “رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا”، وارتقبوا غوث الله.