لعل أكثرنا يحسب أن سيادة الأئمة في الناس وحظوتهم عند ربِّ الناس؛ كانت لراسخ علمهم فحسبُ؛ والحق أن هذا سببٌ كبيرٌ من أسباب تلك الرِّفعة العليَّة؛ لكنَّ شيئًا عظيمًا بين يدي ذلك بلغ بهم؛ ما علِم الله في قلوبهم من “الذلة للحق والإشفاق على الخلق”، وهما حق العبودية وحقيقتها.
هذا فردٌ منهم، إمامنا المبجَّل أحمد رضي الله عنه؛ طبَّق علمُه الأرضَ وبلغ صبرُه السماءَ؛ لكنَّ أمرًا شريفًا علِمه الله منه فرقَّاه به في مدارج الكرامة؛ حظُّ قلبه الأوفى من تلكم العبادة.
لا يتسع مقامٌ لذكر روائع آثاره في هذا الباب الكريم؛ لكنْ حسبُنا إيراد هذين الخبرين عنه رحمه الله؛ كان يدعو في سجوده دعاءً عجبًا، لا يفتح بمثله إلا الله في ساعة رضًا جليلةٍ من لدنه؛ “اللهمَّ من كان من هذه الأمة على غير الحق، وهو يظن أنه على الحق؛ فردَّه إلى الحق؛ ليكون من أهل الحق”، وأشدُّ منه عجبًا دعاؤه هذا؛ “اللهمَّ إن قبلتَ عن عصاة أمة محمدٍ فداءً؛ فاجعلني فداءً لهم”.
بأول تعليقٍ صورةٌ بديعةٌ لسيدٍ ماجدٍ آخر من سادات القوم؛ عرَّفنا الله أقدارهم، وبلَّغنا جوارهم.