“قائد النصر”، “لقد انتصر الأسد”؛ بعض لافتاتٍ تكتظُّ بها شوارع دمشق الحبيبة السليبة.
أمَا وربِّ الحُرَم؛ لو أن الله أخلى كتابه وسنة نبيه جميعًا من ذمِّ الجاهلية؛ لقامت حجته -تعالى- فيها على كل من ذاق آثار (ظنِّها وحُكمِها وحميَّتِها وتبرُّجِها)؛ تامةً لا لَبْسَ فيها من وجهٍ واحدٍ.
الأعراض التي انتهكت، الدماء التي سُفكت، جهنمُ الشام التي أُوقدت على أهلها بغير حقٍّ إلا أن يقولوا: ربنا الله، كل ذلك، وأعمُّ منه وأطمُّ؛ لأجل حكم فردٍ واحدٍ؛ ليقال: ظَفَر ابن غير أسدةٍ لَبُؤًا.
إحصاءاتهم تقول: قُتل أربعمائة ألفٍ أو يزيدون، وسُجنت ألوفٌ مؤلفةٌ، وملايين هجرت الأرض بعد خرابها؛ وملايين يطلبون اللجوء إلى بلادٍ أخرى، وللسماوات صادقاتٍ إحصاؤها وعدُّها.
ما كان على أبالسة نظام الجاهلية العالمي من بأسٍ؛ إذا سمحوا للثائرين أولَ الأمر ببعض ما كانوا يبتغون؟! وتالله ما خطر لهم -وقتئذٍ- غير إزاحة “فردٍ واحدٍ” على بالٍ، ولا طاف لهم بخيالٍ.
لكن لتُعَلَّم الشعوب الأدب مع طواغيتهم، وليلعنوا جهادهم، وليتماهَوا في عبوديتهم رغبًا في رهبٍ، ورهبًا في رغبٍ، وليُبَلِّغ شاهدُنا غائبَنا وكبيرُنا صغيرَنا وحيُّنا ميتَنا معنى “الثورة” وجزاءها.
الله أعلم بمآلات الأمور، لا نقول فيها ما يقول مأفون ابنُ ملعونٍ، وليست الكلمة الأخيرة لأمريكا ولا روسيا ولا إيران؛ بل لله فعَّالًا لما يريد، يبدئ كما يشاء ويعيد، ذو العرش المجيد، له الحكم.
يا أيها الذين آمنوا بالله والإسلام؛ هذا حكم الشيطان والجاهلية، “وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ”، لقد كنت أتلو قول الله -علا وتعالى-: “إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَآءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ”، فأعجب أشد العجب! إن يظفروا بنا يكونوا لنا أعداءً! أليسوا ببالغ العداوة حاربونا؟! كأن الله يقول: ما قبل تمكُّن عدوكم منكم شيءٌ، وما بعده شيءٌ آخر، جلَّ نعم المولى؛ لم يكتمنا في عدونا حديثًا.
يا حُماة الدين؛ من لم يستطع منكم ثأرًا من لُقطاء الزرائب؛ فمما أخرج الله من بين أصلابكم والترائب، أعدُّوهم لأعدائكم، وليرثوا منكم عداوتهم والبغضاء؛ حتى يبلغوا فيهم مشافي الصدور.
اربحوا “الولاء والبراء” عقيدةً تستحوذ على قلوبكم إذا قلَّت في عيونكم المرابح؛ الولاء للمسلمين كلهم على عُجَرِهِم وبُجَرِهِم، والبراء من الكافرين كلهم دانيهم قبل قَصِيِّهم، وكفى به ربحًا.
لكُم “جلاء الحق في أنفسكم فوق جلائه في نفسه” مغنمًا من ربكم؛ لا نصر يرتقب مجاهدًا إذا تردد بين خنادق الطهر وفنادق العهر؛ كما لا دار بين الجنة والنار تنتظر المذبذبين بين سبيليهما.
“التحرر من قبضة النظام العالمي”؛ هذا هو الإسلام عقيدةً وشريعةً؛ عقيدةٌ تشترط في قواعد توحيدها النفي قبل الإثبات، وشريعةٌ تشترط في بنيان أحكامها الإزاحة قبل الإحلال، ومهما تكن غايةً بعيدةً في العَيَان؛ فإنه يجب حفظها منهجًا في الأذهان، وأن تُوقف جهودُ النظر والعمل في دروبها
لسنا بالأغرار تُدهشنا فُجاءات الحروب؛ بل نعلم أنه الجهاد؛ مذ كان برضاء الله إلى يوم لا يكون بسخطه؛ دماءٌ وأشلاءٌ، أسرٌ وجرحٌ، دفعٌ وطلبٌ، نقضٌ وبناءٌ، تفريطٌ وغلوٌّ، نورٌ وعَمَايةٌ، كرٌّ وفرٌّ، حقٌّ وباطلٌ ومحتمَلٌ بينهما، غالبٌ ومغلوبٌ، حيث يتداخل الدينيُّ والسياسيُّ والاقتصاديُّ والاجتماعيُّ والعسكريُّ؛ فتكون سننُ الله بأهله؛ كيف به في زمنٍ عمَّ فيه الجهل وطمَّ فيه الظلم؟!
الصادقون أنفسَهم وربَّهم ودينَهم وأمَّتهم؛ لا يتعامَون عن خطاياهم في العمل دقيقِها قبل جليلِها، ولا يجعلون شيئًا من الهزيمة شأن عدوهم وحده؛ كما لا يتعقَّدون بحشد جمهرة أقدار الله (العظيمة المركَّبة الواسعة) في أنفسهم -وحدها- فيلعنونها؛ بل يتبصرون ما لهم وما عليهم، ويتدبرون آيات الله الكونية والشرعية، ويعتبرون بما فات لما هو آتٍ، والأيام دولٌ، والدهر قُلَّبٌ، والليالي حُبَالى.
“وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ * قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّآ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ * إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ * وَاللَّهُ مِن وَرَآئِهِمْ مُّحِيطٌ * بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ”.