والداك؛ تراهما أولى العالمين بك (مبتلىً)؟ مولاك الله أولى بك منهما.
نفسُك؛ كلما احتاجت إلى عضُدٍ بلا كللٍ، وإلى سندٍ بلا مللٍ؛ ذكرتَ أباك.
قلبُك؛ كلما افتقر إلى لطفٍ بغير سؤالٍ، وإلى عطفٍ بغير نوالٍ؛ ذكرتَ أمك.
في دخائل عامة الشدائد؛ لا تحسن بينهما تمييزًا، لا تدري أيهما أقرب لك نفعًا.
أصدُقك؛ لئن وجدتهما حقيقةً فلقد تفقدهما حُكْمًا؛ لا يبصران كل أوجاعك، يبصران ثم يغفلان، يذكران ثم يعجزان، يقدران ثم لا يكفيان، ولئن وجدتهما حقيقةً وحُكْمًا حينًا؛ فأيناهُما سائرَ الأحايين؟!
“لَلَهُ أرحمُ بعباده من هذه بولدها”؛ قالها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما رأى امرأةً في السَّبي وجدت ولدها بعد فقده والبحث عنه، فألصقته ببطنها وأرضعته؛ هنالك قالها؛ الله أولى به منها.
حين ينام الوالدان لا تأخذ القيومَ سنةٌ ولا نومٌ، وحين يغفلان فالشهيد بكل شيءٍ محيطٌ، وحين يعجزان لا يَؤود المقتدرَ أمرٌ في الخلق، وحين يسقمان فالصمد لا يبلغه أحدٌ نفعًا ولا ضَرًّا، وحين يغضبان فالكبير يدبِّر شأن من رضي ومن سخط، وحين يموتان فالحيُّ هو الآخِر الذي لا شيء بعده؛ ذلكم الربُّ.
لقد رأيت أمهاتٍ وآباء لا أوفى منهم حبًّا ورحمةً ورفقًا وحنانًا؛ لكن إذا غلبتهم فاقاتهم النفسية أو الحسية أو كلتاهما معًا؛ شُغلوا عن أبنائهم، وإن كانوا من قبل أن تنزل بهم عواصف المحن لا يُشغلون، ذلكم الإنسان؛ ضعفه وافتقاره وعجزه صفات ذاتٍ لازمةٌ، وقوته وغناه وقدرته صفات عرَضٍ زائلةٌ.
أما الله رب العالمين؛ فلا يَعدم عبدًا تدبيرًا؛ إن كان كافرًا أو فاجرًا دبَّر أمره تدبير ربوبيةٍ لا تتجاوز مربوبًا، وإن كان مؤمنًا صالحًا دبَّر أمره تدبير ربوبيةٍ عامًّا، وتدبير ألوهيةٍ خاصًّا؛ ذلكم الإله.
يا حبيبي؛ هذا حرفٌ لا يقول لك: استغن عن والديك؛ بل يقول: افتقر إلى الله، “وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى”.