إن أعجب شأن الشهيد -وشأنه كله عجبٌ- بذلُه ما يشهد لما يغيب.
هل أتاك نبأ عبدٍ يبيع دنياه التي يدركها بنفسه ويحياها بحسِّه لآخرته التي لا يدرك ولا يحيا؟! ما قواه على إزهاق مهجة روحه طوعًا واختيارًا، ولا أقدره على إيقاف نبض قلبه محبةً وإيثارًا؛ إلا الله.
أشهده مولاه -بلطيف نوره- الفردوس الأعلى من خلف حُجُب نفسه الكثيفة فكأنه فيها، وباعد -بمنيع عزته- بينه وبين حياته الدنيا فكأنه ليس فيها، حتى ركض إلى كُرْه القتل رَكْضَ عشاق الحياة.
أحلف بالله إن الشهادة الاختيارية معنىً لا تحتمله العقول؛ إلا كما تحتمل فهم الآيات والكرامات.
اللهم إن مَنَّك على عبادك عطاؤك إياهم بغير استحقاقٍ منهم، وإنه ليس عندنا عملٌ نستحق به الشهادة ولا رجاءها؛ فامنن علينا بها مَنَّ حيٍّ على ميتٍ، وقيومٍ على مفتقرٍ، لا ماحي لعظيم خطايانا إلاها.