حروف حبٍّ في إخوة الصفحة أصدقاء ومتابعين، اليومَ صحبة غيبٍ وعما قريبٍ صحبة شهادةٍ.
بعد حمد الله الأكرم بنعمائكم، والثناء عليه الأطيب بألطافكم، مصليًّا ومسلِّمًا على الرسول في حضرة وصالكم؛ لقد يقول فؤادي لنفسي: آللهِ ترين مثوبة أُولاء المتعطفين عليَّ بأندائهم مما أستطيع؟ فتقول نفسي -وقد رثت له، مشفقةً عليه-: لا وأيِّم الله، ولا هو بمستطاعٍ لفؤادٍ، فرفقًا ما أحببتَ لتشقى.
لقد أدخلني الرحمن جنات إخواني صغيرًا، وقلَّبني في روضاتهم كبيرًا، شملوني بجمالهم وتحنانهم عنايةً ورعايةً، وأفسحوا لي في أذواقهم موضعًا كريمًا، وبجَّحوني حتى بجِحَت إليَّ نفسي، فأنا بأنوالهم أوفى الناس بختًا وأرضاهم حظًّا، ربِّ بما أدخلتني جناتهم في الدنيا أمدًا؛ فخلِّدني بينهم في فردوسك أبدًا، وبما سَقوا روحي من سلسبيل هواهم حبورًا؛ فاسقهم من مِزاج الكافور والتسنيم طَهورًا.
إني -وربِّ القلوب خبيرِ أسرارها- لأجوع إلى أحبتي وأظمأ، ويضيق صدري بفراقهم ضيقَ من لا يبلغ من الهواء بلاغه، وما نزل بي بلاءٌ أفتك من عجزي عن وصالهم كما أشتهي، وإني لا أعدل بالأنس بهم -من الدنيا وما فيها- شيئًا، ربنا من فرَّق بيننا في الدنيا؛ فلا تنظر إليه ولا تكلمه يوم القيامة.
يا سواعد إخوةٍ أتوكأ عليها في مسيري، يا ظهور أحبةٍ تحمل عني أشيائي، يا بيوت أصحابٍ تجبرني في رحبائها، يا عربات أخلاء تقيني الحر والعنت، يا كل صدقٍ من كل صديقٍ؛ لله أياديكم عليَّ جمعاء، مشكورةً بقلبي وبدني، مذكورةً بخواطري ولساني، محلُّها ما بين عينيَّ حياتي؛ شعارًا ودثارًا.
يا خالقَ قلبي بارئَ حبِّه مصوِّرَ لَواعِجِه؛ تعلم وحدك كيف حنيني الشديد إلى كل من صحبته في حياتي كلها، بل إلى من عرفته يومًا، بل إلى من رأيته بُرْهَةً من نهارٍ، وأنت على كل حبٍّ شهيدٌ.
لقد نظرت إلى شفاء علة قلبي هذه في الدنيا فلم أجده؛ إن ذكَر القلبُ شُغلت الجوارح، وإن فرغت الجوارح ضاقت الحال، وإن وسِع مكانٌ لم يسع زمانٌ، ثم إن من هؤلاء من فارق الحياة، ومنهم مهاجرون، ومنهم أسرى، ومنهم من لا أعرف اليوم عنه شيئًا، آهٍ وآهًا وأَوَّهْ وأَوَّاهُ وأَوَّتَاهُ ووَاهًا.
تعرفون أحبتي ما شفاء ذلك؟ “جنات الخلد”؛ الجنة وحدها هي دواء هذا الوجع، الجنة شفاء الأرواح العليلة بتباريح الفراق، الجنة رواء القلوب الظامئة لهوىً لا ممنوعٍ ولا مقطوعٍ، الجنة غوث نفوسٍ ولهانةٍ لهفانةٍ تتوق إلى ظلال وصالٍ دائمٍ بمن تعلَق، الجنة الجامعة، الجنة المشتهى والمنتهى.
يا أيها الأوَّاهون في محبةٍ لله ومودةٍ عليه؛ ما مثوبة هذه الألطاف المسكوبة من قلوبكم على نفسي طاويةً وروحي صاديةً؛ إلا ضراعاتٌ حِسَانٌ تصَّاعد من قلبي إلى العليِّ الأعلى تباعًا؛ اللهم ربنا مولى الموالي ذا الجلال والإكرام خيرَ ودودٍ ومودودٍ؛ تولَّ أحبتي الجوَّادين علي بخير ما توليت به خلصاء أوليائك؛ في أنفسهم وأهليهم ومن يرجون لهم رضوانك أجمعين، واغفر لهم سوالف آثام البواطن والظواهر جميعًا؛ ليدخلوا عليك خفافًا مما تكره ثقالًا بما تحب، وابسط لهم في طيبات النيات والأقوال والأعمال بَسْطَ وهَّابٍ منَّانٍ، واجمعنا اللهم بما أوليتنا من حبٍّ فيك وائتلافٍ على هواديك في ظل عرشك الظليل، واجعل “لا إله إلا الله” رحمًا بيننا في الآخرة كما جعلتها بيننا في الدنيا، ولقِّنا وجه نبيك في عرصات القيامة حتى يجُوز بنا بشرُه إلى طمأنينةٍ من قلقٍ وأمانٍ من خوفٍ، ثم لقِّنا وجهك الأكرم في جوارك الأهنأ على كثبان المسك يوم المزيد لنرضى أبدًا، لا إله إلا أنت خير الواصلين.
أحبتاه؛ في نفسي وعلى رأسي ذي المرحمة، إني -والله- المحظوظُ محفوظًا في ظلالكم، المستورُ مجبورًا في أكنافكم، سمع الله ضراعاتي فيكم، وغفر لقلبي ما ستر عن وجوهكم، وجعل حبنا لوجهه الأعلى خالصًا، ولثوابه الأحلى قانصًا، وفي الإسلام عوائدَه وفوائدَه. أحبكم .. يحبكم .. محبكم.