#في_حياة_بيوت_المسلمين.
متى يصدِّق الخاطب والمخطوبة ربهما -سبحانه- فيما ألزمهما به من حدودٍ في الخِطبة؟!
الخِطبة وعدٌ مجرَّدٌ بالنكاح، يجب الوفاء به من طرفيه إلا لعارضٍ ربانيٍّ أو بشريٍّ؛ من العوارض الربانية فساد حال أحد المتواعدَين في عقيدةٍ أو عبادةٍ أو خلقٍ مع غلبة ظن الآخر أنه لا يُصلَح أو أنه يعجز عن إصلاحه، ومن العوارض البشرية انقباض نفْس أحد المتواعدَين من الآخر بشيءٍ ظاهرٍ أو باطنٍ لا يجد حيلةً في دفعه، فمن وقع له شيءٌ من ذلك جاز له نقض وعده لكن بجمالٍ وإحسانٍ.
الخِطبة خطوةٌ بين خطوتين؛ خطوة البدء التي وقعت بها الخِطبة (سؤال كل طرفٍ عن الآخر وأهله وما يلزم للنكاح، والرؤية الشرعية التي يجوز تكرارها ابتغاء التحقق والرضا)، وخطوة العقد الذي أحبه للمرأة والرجل بين يدي بنائهما، ولَحاجة المرأة إليه -هذا الزمانَ- أشدُّ لو كان أولياؤها يفقهون.
أباحت شريعة الرحمن -مبصرةً- وصال طرفي الخِطبة عند الحاجَة وبقدْرها، الحاجة النظرية كالحاجة العملية، لا وَكْسَ المضيقين حتى الجهالة بما تلزم معرفته للإكمال والإتمام، ولا شَطَطَ المستوفين بها الدراية بكل شيءٍ على الكمال والتمام، قد أفلح المقتصدون، الذين هم بشِرعة ربهم مطمئنون.
أخي وأختي؛ ما قُبض عنكما عاجلُ الوصال؛ إلا بسطًا لكما في آجله، يُقضِّي الغافلان الخِطبة في أحاديث الصبابة ونسج خيوط الغرام، ثم يصيبهما داء “الخرس الزوجي” الذي تضج به بيوت الإسلام، ويكأن من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه، إلا من تابا وأصلحا فجبرُهما على الله.
يا أيها الذين رضوا العليم الخبير شارعًا؛ إني رأيت أضيق الناس عند فسخ الخِطبة مآلًا من توسعوا فيها بغير رَشَدٍ حالًا، فأما الملتزمون حدود الله فيها فيحسنون الخروج كما أحسنوا الدخول، ووفاؤهم بعد فسخهم مبذولٌ موصولٌ، يَفيضون على كل أحوالهم جمالًا، وهم أصلح الناس في المخالقة بالًا.
قال قائلٌ: أفرأيت لو بدا لطرفٍ من الآخر بعد النكاح عيبٌ لا يطاق؟ قلت: من لم ينفعه قبل النكاح ظنه لم تنفعه بعده عينه، ومن طلب استيفاء النقائص لم يسعفه التوسع، وإن من العيوب ما لا يُظهره إلا مكين القرب فحسبهما التحرِّي أول الأمر، وكم عيبٍ أصلحه النكاح! وكل لبيبٍ بالإشارة يفهمُ.