بعضهم لا يدعو الله؛ بل

بعضهم لا يدعو الله؛ بل يقترح عليه ويشترط، تنبه يا صديقي! أتُعَلِّم الله ما يعمل؟!

يدعو على ظالمه بالانتقام، فينتقم الله منه بما شاء عليمًا حكيمًا؛ ييسر له الظلم مزيدًا، يغريه بعقله وقوته فيه، يزينه له حتى يذود عنه بالقول والفعل، يختم على قلبه فيه حتى يراه عدلًا وحقًّا، يمدُّ له حتى يصير ظلمه قانونًا وقضاءً وحُكمًا وتنفيذًا؛ كلَّ ذلك يفعل الله ليشقيه في الدنيا قبل البرزخ والقيامة شقاءً لا سعادة معه، وحسبك في تصور عقوبة الظالم يوم الحاقة هذه الآية فقط؛ “مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ۖ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ”؛ هذا الجزاء المركَّب المقصود كلُّ جزءٍ فيه لا يناسب الظالم أقلُّ منه قسطًا ووِفاقًا؛ وبينما الظالم غارقٌ في ظلمه إذ المؤمن مبتلىً به لحِكَمٍ عظيمةٍ كثيرةٍ؛ تكفير السيئات، وزيادة الحسنات، ورفعة الدرجات، وزيادة الإيمان، وتحقق العبودية، وفهم صفات الرب جلَّ وعزَّ، وفقه النفس والناس والحياة، والزهد في الدنيا والعمل للآخرة، وتعجيل التوبة، والتزود من البر، والشعور الوافر بالمظلومين وأُولي البلاء، ومحبة الطاعة وبغض المعصية، مع ما في ابتلاء الظالم بالمظلوم والمظلوم بالظالم من ظهور سنن الله الكونية، وتجلِّي آياته الشرعية؛ وَسِعَ قدَرُ الله.

“لا يا رب؛ افعل لي ما أريد أنا، متى أريد أنا، كيف أريد أنا”؛ كذلك يقول الجاهل بالله، المقترح عليه -علا وتعالى- ما يفعل، ويكأنه يُعَلِّم الله ما يعمل! فأما العالم بالله فيدعوه مسلِّمًا له الجواب تسليمًا.

هذا حرفٌ لا يقول: لا تدعُ على ظالمك بهلاك كل عضوٍ فيه بما يُبرد غيظك ما استحق ذلك؛ بل هو حرفٌ يقول: إذا فعل الله لك ما رجوت (نوعًا وكيفًا) -وكثيرًا يفعل سبحانه- فقل: الحمد لله لطيفًا خبيرًا، وإذا لم يفعل لك ما رجوت (نوعًا وكيفًا) -وكثيرًا لا يفعل سبحانه- فقل: الحمد لله عليمًا حكيمًا.

ومنهم الذي يسأل ربه علمًا بشيءٍ محدَّدٍ لا يقبل بغيره، أو عملًا معيَّنًا لا يقنع بسواه، أو امرأةً اصطفاها لا يرى إلَّاها، أو كشف ضرِّ لا يرضى عن الله إلا بكشفه، أو شيئًا من متاع الحياة الدنيا لا يسَلِّم لمولاه إلا بالحصول عليه؛ ألا إن المنكر ليس في أشطار هذه الجُمَل الأولى؛ بل في أشطارها الثانية.

تمنَّ من ربك ما تهوى من طيبات النفس والمعاش والمعاد؛ حتى ما ترغب في شِراك نعلك، نعم العبد؛ أما (الاشتراط اللاواعي) على الله عينَ ما رجوت حتى تقنع وترضى؛ فاللهم لا؛ لا اقتراح على الله.

أضف تعليق