إلى الأحبة الظانين بي ظن

إلى الأحبة الظانين بي ظن السَّوء؛ أني لطيفٌ رقيقٌ على كل حالٍ وحينٍ، وإلى الأعزة الذين لا يتحملون شدة الخلاف المنهجي بين طرق العمل وطرائقه، وإلى الأجلَّة الذين يتوهَّمونها خناقةً عابرةً في فسحة يومٍ دراسيٍّ بين تالتة رابع ورابعة تالت، إلى هؤلاء البررة جميعًا؛ لا تقرؤوا هذا المنشور.

جُبلت النفوس على النقص، ‍ففيها سعيٌ حثيثٌ إلى الكمال، وابتغاء الكمال في غيرها أيسر من ابتغائه فيها؛ لأن ابتغاءه فيها مكلِّفٌ مجهِدٌ، فأهون منه أن ت‍طلبه في غيرها؛ لذلك تبالغ الكثرة في تجويد صور من تحب، إلى درجة “الحنتفة”، تعتصم بعصمتها! فأيكم ذا نقصٍ فأنا أخوه؛ لا تنشدوا كمالكم فيَّ.

يا أصحابي؛ أمَّا أني ودودٌ رفيقٌ فأرجو الله أن أكون كذلك وأنقى من ذلك، هو بذات صدري عليمٌ، الثناء ثناؤه، جعلني الله عنده زكيًّا، وأمَّا أني أكون كأشباه الرجال أُعشِّش كبُغاث الطير في مناطق رماديةٍ؛ فألوذ بمولاي من خُلقٍ لم يجْبُلني عليه، ولا ربتني والدتي بمثله؛ هذا أخوكم، فاقبلوني أو دعوني.

راجع بعضهم أحمد سالم -جُوزي جزاءَه- فيما قاله في الشيخ حازم غشومًا ظلومًا: “فارغ وفاضي، لا يصلح لإدارة عربية طرشي”، فقال السافل هازئًا: “المرة الجاية هخليها عربية كشري”، وقال الثقيل مستظرفًا: “نخليها لا يصلح لإدارة مؤسسة بيع مخللات، أحسن الصيغة دي”، وقاء السفيه في تعليقاتٍ له برَجيعٍ كريهٍ آخر، وقد كان من قبلُ قال في الشيخ النبيل -حفظ الله مهجته، ونجَّاه وسلَّمه، وغفر له وثبته- أقوالًا خسيسةً كخُلقه؛ نعوذ بالرحمن من مهانة النفس، ومن القِحَة في الجَوْر، ومن الكبر.

لا عجب من سفالة سالم فإنها قديمةٌ، كما لا عجب أن سُبَّ الشيخ؛ فلعل الله لما قطع عنه بعض العمل أراد وصله بكثير الأجر؛ فاحمرَّت لقدْره أنوفٌ أبيةٌ، ولهجت بذكره ألسنةٌ وفيةٌ، وجدَّد الأحرار له رضيَّ العهد؛ جمعنا الله بشيخنا في الدنيا على مفاخر الإسلام، وفي الآخرة في بحبوحة الرضوان.

يا جماعة .. وبالبلدي؛ أنا واحد أرجو ربي -علا وتعالى- إني أكون من ولاد الأصول المتربيين الجدعان، يعرف من صحبني -بحمد الله- كيف أنتفض إذا ظُلم واحدٌ منهم غضبةً لحقه، حلفت يومًا بالله أن أحرق وجه جارٍ لصديقي بماء نارٍ؛ إن أمضى ما توعده به من إبلاغ الطواغيت عنه، وهو أشْيَك جزاء من تعاون مع الطواغيت ضد المؤمنين؛ كيف لا أنتفض غيرةً لحرمة شيخٍ معلَّمٍ معلِّمٍ؟!

إنني -وأعوذ بالله- لا أستطيع الخرس عن إيذاء رجلٍ شابت في الإسلام لحيته، وأيقظ الله ببصيرته أمةً من الناس قلوبًا وعقولًا، وبصَّرهم بالجاهلية ظنِّها وحكمِها وحميتِها، وصدع بمرِّ الحق في وجوه طواغيت البلاد غير خائفٍ في الله لومة لائمٍ، وعرَّف الشبيبة ما عرَّفهم بربهم ونبيهم ومنهاج تحررهم وكرامتهم، وعرض شريعة الله -جلَّ وعزَّ- على عامة الناس عرضًا فائق الجمال والجلال، يوم أخفقت جماعاتٌ ديناصورية الأشكال عن بعض ذلك، بل شوَّهت من عقائد الإسلام وشرائعه ما كفَت به العدوَّ كثيرًا، وصبر الشيخ على كيد الأقربين صبرًا عجبًا، ورأى الشباب فيه أنموذجًا جامعًا لصدق القصد ونقاء الغاية وسداد المنطق وروعة البذل وسماحة الأخلاق، وعطف الله عليه قلوب العامة ما لم يكتب لغيره، ثم سُجن في زنزانةٍ من زنازين العقرب -شوى الله بُناته بالنار في الدنيا والقيامة وبرزخٍ بينهما- وحيدًا فريدًا، مضت عليه بها سنونٌ فما غيَّر الكريم ولا بدَّل، “والفضلُ ما شهدتْ بهِ الأعداءُ”.

ذلك وغيره مما لا يفقهه الساكنون الساكتون المخذِّلون المعوِّقون المبطِّئون المتعجرفون الحمقى؛ فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ وهل تهون العِشرة إلا على أولاد الحرام كما سمعناه من الجنائيين! في السجون كثيرًا؟ أيقال: “فارغ وفاضي، لا يصلح لإدارة عربية طرشي”؛ تلطَّخ بها الطرشجي؟!

ليكن الشيخ ضعيفًا في الإدارة أو فاشلًا فيها، ليكن؛ فوالله وبالله وتالله إن كان كذلك؛ فالفرض اللازم على الفور بيانه للناس كافةً، نصيحةً للإسلام وأهله، وليُستفاد بأخطاء الفاضلين كما يُستفاد بإصاباتهم، وهو نفَس شيخنا نفسِه، لا يمنع من قول الحق فيه سَجنُه ولا غير ذلك؛ ما تكلم به محترمٌ عالمًا عادلًا.

لطالما نُقد الشيخ بين أيدينا وفي هذا الفضاء، فما حرَّكنا ساكنًا، ولا وجدنا في أنفسنا شيئًا على الأحبة الناقدين، وأُعجبنا ببعض هذا مما تجلَّى علمه وعدله، نعرف لأهله فضلهم وأدبهم، أما أن ينال منه مثل هذا الزائغ الوغد المتنفخ بمثل ذلك ونسكت عليه بتهويش المهوِّشين؛ فاللهم لا، اللهم لا، اللهم لا.

يقول بعض رعاع سالمٍ: أنتم تحسدونه؛ أليس دميمًا ذميمًا رميُكم -ككبيركم- كلَّ محذرٍ طريقته وخليقته بالحسد؟! هذا لهٌ حاسدٌ، وذاك عليه حاقدٌ، وكلنا منه منفسنون؟! ذاتَ بؤسٍ رأيت شابًّا يحاوره، فقال: “لقاؤنا اليوم مع الشيخ أحمد سالم؛ مالئ الدنيا وشاغل الناس”! الظن بالشاب اليوم أنه كبُر عنها.

أيها السادة؛ إنه ليس حازم أبو إسماعيل وحده، إنه حطُّ أحمد سالم (أبو فهر السلفي، أبو الأشبال المصري) على تيار مواجهة الطواغيت كله تصريحًا وتلويحًا وما بينهما؛ كتابه القديم “فتاوى العلماء الكبار في الارهاب والتدمير”؛ طعنه على شهيد الحاكمية سيد قطب -تقبله الله- في أفكاره المركزية، وصفه العمليات التي استهدفت أمريكا بالعمليات الإرهابية، قوله بتحريم هذه العمليات مطلقًا مع أن التفصيل والخلاف فيها معلومٌ مشهورٌ، (وكذلك يفعل في عامة مسائل المواجهة المادية للطواغيت، مع تقديمه نفسه -دومًا- واسع الصدر لسائر الخلافات الفقهية)، في كتابه “صورة الإسلاميين على الشاشة” زعم الأثيم حرمة قتل السجين الضابط الذي اغتصبه، “الاستمناء الثوري، الشبق لتحكيم الشريعة، انتظار القذف المنوي”؛ تلك بعض ألفاظه القبيحة في مواجهته المخالفين، وصفه الجهاد السوري بأنه محرقةٌ ونهيه الشباب عنه مطلقًا، يا صديقي؛ “إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ”، وإن بعضه ليس كذلك.

يا أيها الذين آمنوا؛ من وجدتموه يُجْمِل القول في الطواغيت ويفصِّله في مجاهديهم؛ فاتهموه على دينه، كذلك يفعل سالم وبسيوني والمرزوقي ومحمد عبد الواحد وأشباههم، فإذا سئلوا عن ذلك أجابوا إجابة الجامية المداخلة القديمة؛ “فساد الطغاة ظاهرٌ لا يلبس لبوس الدين، وفساد مجاهديهم خفيٌّ يلبس لبوس الدين”، فجَرَت كلمةً يُخرج الله بها أضغانهم، وافصل اللهم بيننا وبينهم؛ وأنت خير الفاصلين.

صدَّقنا سالمًا -والذين ضلوا وأضلوا قبله- في المجاهدين والثوريين والسياسيين، وكفرنا بمواجهة الطواغيت بما يليق بهم أجمعين، والطواغيت وحربهم الإسلامَ وأهلَه أظهر حقائق الوجود النظري والعملي هذا الزمان؛ نبئونا أيها الكذبة كيف تواجهون أنتم؟! وكونوا في بيان ذلك من الصادقين.

يا معشر الأبرار؛ ألا لا يُرهبنكم عن كرامة الذود عن الشيخ الجليل وأمثاله من كباركم الربانيين قولُ جاهلٍ جائرٍ: “أولتراسات .. مجاذيب .. دراويش”، وكونوا أوفياء نبلاء ذوَي مروءةٍ وأصولٍ، كما رباكم آباؤكم لا كما يريد لكم هؤلاء الأنذال، يا إخوتي؛ ليس دواء داء تقديس الرموز البغيَ في إسقاطهم.

لقد تقر عيني بحذر المسلمين من زيف الرموز ومن صنميتهم، ذلك حذرٌ يحبه الله ورسوله، ويرضيان أن يبقى بين أعينكم ما بقيتم، لكنَّ رموزًا خلَّصتها الشدائد ونقَّحتها المِحن؛ حقُّها الصَّون والإكبار.

إن رموز الإسلام -التي هي رموزه- لا تكون إلا صناعةً ربانيةً خالصةً؛ لا حظَّ لطاغوتٍ فيها ولا نصيب لجاهليةٍ منها، قال أحسن الصانعين في كليمه موسى عليه السلام: “وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي”، وقال فيه: “وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي”؛ أولئك المصنوعون لله وعلى عينه الذين لا يتكلفون حركة رؤوسهم -بجَهد نفوسهم- لتصيبها العمائم، كيف وقد فقهوا أن عمائم السماء لا تنزَّل إلا على رؤوس السادة الغافلين؟! قال الله: “وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ”، وقال: “وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ”، وقال: “وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى”؛ وقال: “مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ”؛ سنةَ الله.

ألا فارصدوا مدارج رمزية الرموز ما استطعتم ذلك، ثم انظروا؛ هل أنشأت الجاهلية فيه إنشاءً؟ هل أسس الطاغوت في بنيانه ركنًا؟ فمن وجدتموه كذلك؛ فاطرحوه جانبًا، ودونكم صُنعَ الله صاحبًا.

سيدي حازم؛ أطلق الله جوانحك في رضاه، وجوارحك في فَضاه، وأنعمك بقدره وقضاه، يا حبيبي.

أضف تعليق