يا أئمة التراويح والتهجد، هُداة آي الذكر الحكيم في ليالي الشهر العظيم.
أنتم خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلفاء خلفائه الراشدين، وخلفاء خلفائهم بالحق إمامةً في الدين، فيكم قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: “الإمام ضامنٌ”، وأثنى على إمام قومٍ هم به راضون، وجعل شرط إمامتكم دائرًا على القرآن والسنة والهجرة، ودعا لكم فقال: “اللهم أرشد الأئمة”، وإذا كان فضل الإمام بفضل ما يَؤمُّ الناس فيه قائمًا بحقه؛ فلا أفضل من الصلاة عملًا يُؤمُّ فيه المسلمون.
يا أئمة التراويح والتهجد، هُداة آي الذكر الحكيم في ليالي الشهر العظيم.
مع ما تقدم من فضلٍ للإمامة؛ اعلموا أنها من أبواب الولايات، فهي الإمامة الصغرى، من طلبها وُكل إليها، ومن طُلب إليها أُعين عليها؛ إلا عبدًا يعلم أنه لا يقوم غيرُه مقامه، فإن أبطأ عنها كان ورعه عند الله وعند الذين أوتو العلم باردًا، وأنها فتنةٌ لما فيها من التصدُّر والرئاسة والظهور والعُلوِّ؛ حتى أنه لما قال عثمان لعبد الله بن عمر رضي الله عنهم: “اقض بين الناس”؛ استعفاه، وقال: “لا أقضي بين اثنين، ولا أَؤمُّ رجلين”، وصلى حذيفة بن اليمان -رضي الله عنهما- مرةً إمامًا، ثم قال: “لتُصَلُّن وُحدانًا، أو لتلتمسُن لكم إمامًا غيري؛ فإني لما أممتكم خُيِّلَ إلي أنه ليس فيكم مثلي”، وقيل لمحمد بن سيرين رحمه الله: ألا تؤمُّ أصحابك؟ فقال: “كرهت أن يتفرقوا فيقولوا: أمَّنا محمد بن سيرين”؛ اللهم سلِّم سلِّم.
يا أئمة التراويح والتهجد، هُداة آي الذكر الحكيم في ليالي الشهر العظيم.
أعانكم الله على ما أقامكم فيه من الخير العَلِيِّ، وبارك لكم فيما أولاكم من الشرف السَّنِيِّ، وبسط لكم في أصواتكم، وزادكم قوةً إلى قوتكم، وفتح لكم في كتابه تدبرًا وحفظًا وأداءً، ووقاكم شرور أنفسكم وسيئات أعمالكم، وأحرزكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، واستعملكم في بلاغ دعوة الحق بآياته إلى صراطه السَّوِيِّ، ورزقكم أخلص الصدق وأصدق الإخلاص إذ تصلون وإذ تقرؤون، وأعاذكم من العين والحسد، وفتح بكم أعينًا عُميًا وآذانًا صُمًّا وقلوبًا غُلفًا، وأفاض عليكم من غيوث كتابه المجيد نورًا مسكوبًا وأفاض بكم، وحفظكم من شرار الإنس والجن، وتقبل عنكم أحسن ما تعملون، وتجاوز عن سيئاتكم في أصحاب الصدق، وغفر لكم بالقرآن ما تقدم من ذنوبكم وما تأخر، وجعله حجةً لكم لا حجةً عليكم، وثبتكم على الإيمان به حتى تلقوه في الآمنين، وأضاء به قلوبكم وقبوركم، ولقَّاكم به وجهه الكريم.
يا أئمة التراويح والتهجد، هُداة آي الذكر الحكيم في ليالي الشهر العظيم.
ماذا عليكم لو بلَّغتم دعوة الله بما تتلون في المحاريب من الذِّكر الحكيم؟ تدارسوا تفسير ما تقرؤون، وتدبروه تدبرًا، وقفوا عند كل آيةٍ غُيِّب المسلمون عن أنوارها مَلِيًّا ؛ آيات حاكمية الله، وآيات الغزو والجهاد، وآيات إقامة الدين والشرائع، وآيات الكفر بالطواغيت، وآيات الصدع بدعوة الله، ونحوهن من آيات القرآن، وكرِّروها غير مُمِلِّين الناس، محسنين فيها الوقف والابتداء؛ إشارةً إليها وتنبيهًا عليها.
يا أئمة التراويح والتهجد، هُداة آي الذكر الحكيم في ليالي الشهر العظيم.
إذا عجزتم أن تلعنوا طواغيت العرب والعجم في القنوت بأسمائهم؛ فادعوا الله عليهم بدعواتٍ عامةٍ وأكثروا؛ قولوا : اللهم عليك بالمجرمين الذين يصدون عن سبيلك، ويحاربون عبادك، ويفسدون على الناس أنفسهم ودينهم ومعاشهم؛ بصِّر بهم، وأعدَّ لهم، وأمكن منهم، والعنهم لعنًا كبيرًا، ثم ادعوا الله أن يُحَكِّم فينا كتابه وسنة نبيه، وأن ينصر عباده المجاهدين أينما كانوا، ثم ادعوا للأسرى أن يفرِّج الله عنهم ويثبتهم وينجِّيهم، ثم ادعو للمستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها بالسَّعة والعفو والعافية.
يا أئمة التراويح والتهجد، هُداة آي الذكر الحكيم في ليالي الشهر العظيم.
ما كان الرجل في القديم -سلفيًّا أو أزهريًّا أو إخوانيًّا أو تبليغيًّا أو جهاديًّا- يقنت بالناس في شهر رمضان؛ إلا ويدعو الله على اليهود ومحاربي الإسلام من إخوانهم وأوليائهم، وأن يحرِّر الله المسجد الأقصى، وأن يُحَكِّم فينا كتابه وسنة نبيه قبل أن نلقاه، وأن ينصر عباده المجاهدين أجمعين، ويسمِّي البلاد المحتلة من الكفار بلدًا بلدًا؛ يبعث الله -يومئذٍ- بضراعاتهم وبكائهم ما كاد يكون في نفوس الناس نسيًّا منسيًّا.
يا أئمة التراويح والتهجد، هُداة آي الذكر الحكيم في ليالي الشهر العظيم.
إن لتلاوة القرآن حقيقةً وصورةً؛ فأما حقيقتها فالإيمان به والتسليم له وأن يُفقَه ويُتدبر، وأما صورتها فتجويد الحروف ومعرفة الوقوف وتحبير الصوت وتزيين الأداء، من جمع الله له بينهما فقد أذاقه نعيم الفردوس الأعلى من قبل حلوله، وأذاق به سامعيه رضوانه الأكبر من قبل حصوله، ومن أعطاه صورته ومنعه حقيقته فقد أدرجه في المفتونين، وألحقه بالمقبوحين، وما أحمد نعينع -وهو من هو نصيبًا من صورة التلاوة- إذ كان يقرأ على رأس طاغوت مصر -عذبهما الله- يوم تنصيبه رئيسًا بعد المحرقة الكبرى؛ “إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا”؛ عنا ببعيدٍ، فما أغنت عنه صورة تلاوته الباهرة شيئًا؛ إذ أنزل خنثى الطواغيت المحارب ربَّ العالمين؛ منزلة رسول الله المقصود بالآيات بعد الفتح المبين.
يا أئمة التراويح والتهجد، هُداة آي الذكر الحكيم في ليالي الشهر العظيم.
كم أحيا الله بعمر بن عبد الرحمن وأسامة بن لادنٍ وأشباههما من أحياء الموتى؛ وهم يتلون كتابه من قلوبٍ ميتةٍ! (أنصتوا إليهما)، وكم تموت بالسُّديس والعفاسي وأضرابهما من موتى الأحياء؛ إذ يأكلون بالكتاب قلوبٌ حيةٌ! (اسمعوا أغاني الثاني في سلمان وولده أحرقهما الله)؛ نلوذ بعصمة الله من مضاهاة حُمُرٍ مستنفرةٍ فرَّت من قسورةٍ، ونرجوه برحمته السابقة مقامات تنزيله العَلِيَّة في الدنيا والآخرة.
يا أئمة التراويح والتهجد، هُداة آي الذكر الحكيم في ليالي الشهر العظيم.
أنتم سفراء الإسلام اليوم من حيث قدَّمكم الله في أجَلِّ أركانه وأعظم أنساكه، في عُقدةٍ من عُقَدِ عُروة الصلاة من عُرَى الإسلام لم تُنقض بعد، نعوذ بعزة الله ورحمته أن تُنقض ونحن أحياءٌ، ألا لا يقولن أحدكم: إني مُكْرَهٌ لا أستطيع مما ذَكَّرْتَ به شيئًا؛ فإن “ما لا يُدرك كلُّه لا يُترك جُلُّه”، ومن ضاق عن صريح العبارة وسعه تلميح الإشارة، ولقد نبأنا الله من أخبار المنافقين ما فاض من الكفر عنهم لمَّا تمكنت رواسخه منهم، أفيَلْحَن المنافق بالكفر مرارًا لا يقدر على جحده وكتمانه؛ ولا يصدع بعضكم بدعوةٍ واحدةٍ في قنوته لدينه وإخوانه؟! ألا إن من ملأ الإيمانُ حُشَاشَةَ جَنانه؛ أظهره الله ضرورةً على لسانه؛ فافعلوا أحبتي، لن يصيبكم إلا ما كتب الله لكم، هو مولاكم، وعلى الله فليتوكل المؤمنون.