أيها السائرون إلى الله في رمضان؛ أتموا السير إلى ربكم لا تنقطعوا.
تدبروا هذه الآيات ثم انظروا؛ هل يستحق من عادته في خلقه وأمره الإتمام؛ غير إكمال عبادته على الدوام والتمام! يتم ربنا إنعامه علينا وهو الغني عنا؛ ولا نتم عبادتنا إياه ونحن الفقراء إليه!
“وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا”.
“وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ”.
“كَذَٰلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ”.
“الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي”.
“وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ”.
“وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ”.
“ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ”.
“وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً”.
“وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ آلِ يَعْقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَا عَلَىٰ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ”.
“وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا”.
“وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُوا”.
أيها السائرون إلى الله في رمضان؛ أتموا السير إلى ربكم لا تنقطعوا.
إتمام العبادة فعلُ السادة؛ “وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ”، “وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا”، “الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَآئِمُونَ”؛ عرفوا تمام صفات معبودهم، فأتموا له العبادة.
أيها السائرون إلى الله في رمضان؛ أتموا السير إلى ربكم لا تنقطعوا.
وصَلُوا إلى مولاهمُ وبقينا ** وتنعَّموا بوصالهِ وشقينا
ذهبتْ شبيبتُنا وضاعَ زمانُنا ** ودنتْ منيَّتُنا فمَنْ ينجِينا
فتجمَّعوا أهلَ القطيعةِ والجَفا ** نبكي شهورًا قدْ مضتْ وسنينا
أيها السائرون إلى الله في رمضان؛ أتموا السير إلى ربكم لا تنقطعوا.
“وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ”، “ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ”، “إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوآ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ”؛ الإتمام فعلُ الله وتكليفه.
أيها السائرون إلى الله في رمضان؛ أتموا السير إلى ربكم لا تنقطعوا.
حسبُكم ذكرُ انقطاع النور عن المنافقين -بانقطاع إيمانهم وأعمالهم- على الصراط المضروب على متن جهنم، وتمامُه للمؤمنين التامة أعمالُهم، ودعاؤهم ربَّهم عليه يومئذٍ ألا ينقطع نورهم كما انقطع عن المنافقين؛ “نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا”، فكان جزاء الله من جنس العمل؛ أتموا السير إلى لله على صراطه في الحياة الدنيا، فأتم الله لهم نورهم على الصراط يوم القيامة.
أيها السائرون إلى الله في رمضان؛ أتموا السير إلى ربكم لا تنقطعوا.
ولمْ أرَ في عيوبِ الناسِ شيئًا ** كنقصِ القادرينَ على التمامِ
هذا الله يُصبِّركم فتصبَّروا؛ “وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا”.
أيها السائرون إلى الله في رمضان؛ أتموا السير إلى ربكم لا تنقطعوا.
لها أحاديثُ منْ ذكراكَ تشغلها ** عنِ الطعامِ وتلهيها عنِ الزادِ
لها بوجهكَ نورٌ تستضيءُ بهِ ** ومنْ حديثكَ في أعقابها حادي
إذا شكتْ منْ كَلالِ السَّيرِ أوعَدَها ** رَوحَ القُدومِ فتقوى عندَ ميعادِ
أيها السائرون إلى الله في رمضان؛ أتموا السير إلى ربكم لا تنقطعوا.
“ما من أحدٍ يموت إلا ندم؛ إن كان محسنًا ندم ألَّا يكون ازداد، وإن كان مسيئًا ندم ألَّا يكون نزع”.
أيها السائرون إلى الله في رمضان؛ أتموا السير إلى ربكم لا تنقطعوا.
“مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى”؛ ما منا من أحدٍ إلا وقد أذاقه الله حظًّا من هذه المنة، أفيتحبَّب الله إلينا بتمام حبِّه وقربه؛ ونتبغَّض إليه بقطع طاعته وعبادته! نعوذ برحمتك اللهم من الحَور بعد الكَور.
أيها السائرون إلى الله في رمضان؛ أتموا السير إلى ربكم لا تنقطعوا.
سُئل الإمام أحمد رحمه الله: متى الراحة؟ قال: “عند أول قدمٍ تضعها في الجنة”، من لمح فجر الأجر هان عليه ظلام التكليف، فأما السعداء البُصراء فيرون العبادة جنةً يحاذرون الخروج من روضاتها.
أيها السائرون إلى الله في رمضان؛ أتموا السير إلى ربكم لا تنقطعوا.
كانت عائشة -رضي الله عنها- إذا آوت إلى فراشها؛ تقول: “هاتوا المجيد”، فتُؤتى بالمصحف، فتأخذه في صدرها وتنام معه، تتسلى بذلك؛ يا عباد الله عانقوا “أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ” في صدوركم، لا تُفلتوها.