ذاتَ زيارةٍ لجدتها العجوز في بيتها العجوز التي تسكنه وحدها ويسكنها وحده؛ فزعت الحفيدة من فأرٍ سخيفٍ قفز بين قدميها؛ على الفور قالت الجدة: “ده الكائن الحي الوحيد اللي ليه حِسْ هنا”.
قوة فزع الحفيدة من الفأر + شدة عجبها من منطق الجدة × عُمُرها بالثواني = شعور الجدة بالوحشة كلَّ ساعةٍ ÷ إياس الجدة من إيناس الناس – عدد قفزات الفأر المؤنسة؛ “وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا”.
سيقول الذين لم تذق أفئدتُهم مراراتِ وحشة الجدة -إذا سمعوا كلمتها-: “تيته مأفورة”، فأما الذين لسعتْ أرواحَهم سياطُها فيعلمون أن حروف لسانها لا تترجم ما يُحسُّ حلقُها من غُصَصِها شيئًا.
في غرفةٍ آويت إليها مطاردًا؛ كان النمل يجتمع على بقايا الخبز وما إليه، لا أذكر أن قلبي قوي مرةً على قتله ولا خَطَرَ عليه؛ بل وجدتني -على الليالي- أوفِّر له الطعام، وقد أجمع النمل من زوايا الغرفة بمنديلٍ فأجعله في مكان الطعام، وقد أضع له بعض السكر وأرقب ما أكل منه وما أبقى .
لم يكن صنيعي إلى النمل بأكرمَ من صنيعه إلي؛ إنني لا أزيد على تغذية جسمه الضئيل شيئًا، وهو إن لم أُطعمه أنا أطعمه الله -الذي لا يُضيِّع خلقه- بسببٍ غيري؛ لكنه كان يعمل عملًا جليلًا، كان يؤنس قلبًا -علم الله ما فاقته إلى الأنس- بأحاديثه وحركته؛ فأيُّنا أحق بالحمد إن كنتم مقسطين!