رسالةٌ من والدة أسيرٍ لو اطَّلعتم عليها؛ لتفطَّرت أفئدتكم نَصَبًا ووَصَبًا.
فيها لا تشكو المكلومة قسوة الطواغيت؛ بل سآمة أبنائها الجدعان زيارةَ أخيهم.
تفصِّل القول في معاناتها كلَّ زيارةٍ؛ إذ تطوف عليهم بالإلحاح جميعًا.
يقول أحدهم: هو اللي جابه لنفسه، ويقول الآخر: جهزي زيارته انتِ وانا مالي.
آنَّةً تقول العظيمة: مش كفاية وشِّي اللي جَفِّفه كُتر السَّلَف لزياراته!
تسافر إلى ولدها مسافةً طويلةً قصَدها كفارُ مصر؛ إمعانًا في التنكيل بالأحرار.
تقصُّ قصة شقائها في إلحاحها على أبنائها، واستطالتهم عليها لذلك.
تحكي حكاية كل خطوةٍ من خطوات تجهيز الزيارة؛ ما قبلَ وما بعدَ وما فيها.
الاقتراض، الشراء، الطهي، السهر، الإلحاح، الوَحدة، طول الطريق.
أما عذابات الانتظار هناك، وما في الزيارة من أهوالٍ يَخبُرها أهلها؛ فلا تسَل.
ثم إن الجدعان إذ يتركونها وحدها؛ يتقلَّبون بين نومٍ ولهوٍ؛ واغوثاه!
أشدُّ ما يوجع روحَك في حروف المرأة؛ معنى الخوف، الخوف مهيمنٌ عليها.
ألَّا تجد مالًا، ألَّا يكفي حاجة الحبيب، أن يَتلف الطعام، إباءَ أبنائها.
أما رعبها من وحشة الطريق، ومنعِها رؤيتَه، وعودتِها بالطعام؛ فيُقيم القيامة.
آليتُ عليها ألا تسأل أبناءها مثقال ذرةٍ، وأن تستأثر بالكرامة وحدها.
أَنفرض المعالي على السافلين فرضًا!! أم نُلزمهم المراحم وهم لها كارهون!!
خمسُ سنين والشيخة الكبيرة السقيمة على حالها، والأوباش قاعدون.
يحسب زائر الأسير لزيارته حساباتها، ويحسب الأسير دقائق الزنازين حسابًا.
يشتهي الزائر إرجاء الزيارة أسبوعًا، ويشتهيا الأسير لحظةً واحدةً.
إن المليك حقٌّ ديانٌ؛ لن تضيع عنده مثاقيل ذَرِّ صنائع الأعداء والأولياء جميعًا.
يا عباد الله البررة؛ اتقوا خُطوب الدنيا والآخرة بموصول الإحسان.
لمثل هذا ونحوه كتبت ذلك الحرف قديمًا؛ ربَّاه فلا تجعل عقوبتنا غلظة أكبادنا.
إن الذين يطول بلاؤهم؛ يضعُف شعور أكثر الناس بهم.
الأسرى إذا طال حبسُهم، المُطارَدون إذا طال شَعَثُهم، المرضى إذا طالت أسقامُهم، المكتئبون إذا طال غمُّهم، المساكين إذا طال عَوَزُهم؛ أطيلوا أنفاس نفوسكم فيهم يَطُلْ فيكم عونُ الله، قد أفلح المواسون.
اللهَ اللهَ لا تألفوا آلام المُتعَبين؛ الأيامٌ دُوَلٌ والليالي حُبَالَى.