يدَع أحدُكم مناجاة من أحاط بشأنه خُبرًا وإنَّ أمره كله له وحده؛ إلى مناجاة فقراءَ أشِحَّاءَ عجزةٍ مفاليسَ، لا يملكون لأفراحهم نفعًا ولا لأتراحهم دفعًا! تشكون عِلل نفوسكم التي أخفاها الله عن أبصار من حولكم لطفًا بكم فتهتكون أستارها، وتهجرون شِكايتها إلى صمدٍ شهيدٍ وكيلٍ مُقيتٍ وسِعَها رحمةً وعلمًا!
هذه أحرفٌ أدعو ربي بها تضرُّعًا في علانيةٍ؛ عسى الله إذا بارك عليها أن يَحُلَّ بها ألسنةً معقودةً، ولقد أعلم أن أفصح الدعاء عند الله أخلصُه؛ لكنْ من جمع الله له في دعائه بين صدق الجَنان وبلاغة اللسان فقد أجزل له العطاء؛ نرجو الله في كل رجائنا كل ما يحب ويرضى، وأن يسمع لنا فيمن حمدَه.
اللهم إن بنفسي من العِلل الفاتكات وبجسمي من الأدواء المُنْهِكات؛ ما استأثر بمُبتداه ومُنتهاه قلمُك من علمك، كما لا يبصر خفيَّها كجَليِّها إلا أنت؛ لا يشفيني منها إلا أنت؛ طبِّبني منها وطيِّبني.
اللهم أنت الحي، لا حياة كحياتك ولا إحياء كإحيائك؛ أحْيِ ما مات في قلبي أو كاد مما أردتَ له الحياة، وأنت القيوم، لا قائم بنفسه مثلُك ولا مُقيم لغيره عِدْلُك؛ أقمني في مراضيك التي خلقتني لأجلها جميعًا؛ حتى لا يفجأني فائتٌ منها يوم ألقاك فرَّطت فيه، وأقم من توحيدي ونُسُكي وآدابي ما انقضَّ بي.
اللهم إنه لا دخول عليك إلا بالصدق، مُفتتَح غفرانك ومُختتَم رضوانك، موقوفٌ عليه نوالُك ووصالُك، وإني لا أجمع بين كذب قلبي وكذب لساني فأزعم بين يديك أني من أهله؛ لكنك أهلٌ أن تجعلني له أهلًا؛ فاكتبني فيهم، إلا تجعلني منهم لا يتحرك إليك مني ساكنٌ، ثم أُلقى في جهنم ملومًا مدحورًا.
اللهم أنت الودود، بوُدِّك قام كل وُدٍّ زكيٍّ في السماوات والأرض؛ أَفِضْ على فؤادي من محبتك ما أحبك به حبًّا أشدَّ من كل حبٍّ لكل شيءٍ سواك، فإذا أحببتك آثرتك على أهلي ودنياي والناس أجمعين وعلى نفسي، وأحبَّني، وأحبَّ مني، وأحبَّ بي، وحبِّب إلي ما أحببتَ صنيعًا ومن أحببتَ جميعًا، وأتم نقص محبتي إياك بزيادة محبة الذين كمُلت محبتُّهم إياك، وأن أحيا لهم -محبةً لك- وليًّا ونصيرًا.
اللهم أنت التواب، تتوب على عبادك ليتوبوا ثم تقبل توباتِهم إذا تابوا، وإني كاذب الرجاء في توبةٍ عامةٍ لا تُبقي من سيئات قلبي وآثام جوارحي ولا تذر؛ فارزقني صدق رجائك التوبة لأتوب إليك فتتوب علي وأنت خير الرازقين، ثم ثبتني بعدها حتى لا أنقضها، فإن نقضتُها مغلوبًا أنبْتُ بك إليك من قريبٍ.
اللهم أنت تهدي من تشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ، هديت إليك عمر بن الخطاب وكان يقال: “لو أسلم حمار عمر؛ ما أسلم عمر”، وهديت إليك عمرو بن العاص وقد طوى الأرض إلى النجاشي ليُؤلِّبه على أولياء نبيك اللائذين به، وهديت إليك خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهلٍ وقد فعلا برسولك وصحبه يوم أُحُدٍ الأفاعيل؛ ربِّ فإني أحبك وإنْ جهولًا عصيتك بشيءٍ، وأحب نبيك وإنْ ظلومًا خالفته إلى شيءٍ، وأحب دينك وإنْ مغلوبًا خذلته في شيءٍ؛ غيرَ أني لم أبارزك بما بارزك به هؤلاء من العداوة؛ بل نصرُك ودينِك وأوليائِك غايتي؛ ربِّ فاهدني إلى الطاعة في الإيمان كما هديتهم من الكفر إلى الإسلام.
ربِّ أنت المحبوب؛ لكني مغلوبٌ، أحبك ولا أستطيع، وأريدك ولا أقدر، مستوحشٌ في معصيتي وإن بدا أُنسي، بائسٌ وإن ظُننت سعيدًا؛ أنَّى تأنس روحي وهي نائيةٌ عنك! وكيف يبتهج قلبي محرومًا منك! اللهم إني إن عصيتك؛ فإني أحب طاعتك وأدعو إليها وأحب أهلها وأحسدهم عليها، وأكره معصيتك وأُجافي أهلها وأُبغِّضُها إليهم وأدلُّهم عليك ليتوبوا إليك منها، فإن ركبتْ جوارحي مراكب المغاضب فلِشدَّة فقري ومُضاعَف عجزي؛ أما قلبي فمطمئنٌ بمحبتك، ساكنٌ بتوحيدك، طامعٌ في خير يدِك.
ربِّ كم شغلني ما كفيتنيه عما كلَّفتني به! فاسْكُب على قلبي وعقلي من العلم بك والغنى منك ما يُفني هَمِّي وهِمَّتي في مراضيك حتى تملأني بها شغلًا؛ فتكفيني ما أهمَّني وتبارك على ما آتيتني.
اللهم ابسط لي في الصلاة مثل الذي بسطت منها لأوليائك؛ فقهًا بحقائقها الباطنة والظاهرة، وإقامةً لها في نفسي، ودعوةً إليها عبادَك المفرِّطين؛ حتى أكون سببًا في ركوعهم وسجودهم لك ما أحييتَهم.
اللهم علِّم بي ذا جهالةٍ، وأرشد بي ذا ضلالةٍ، وأطعم بي ذا مسغبةٍ، وأغنِ بي ذا متربةٍ، وبيِّض بي وجه ذي كسوفٍ من كآبةٍ، واجبر بي كسر ذي وجعٍ مَطْوِيٍّ نابَه، وأغث بي لهفانًا، وسكِّن بي ولهانًا، وولِّ وجهي جهة المساكين مستورًا عن عيونهم صيانةً لوجوههم؛ حتى تُولِّيني الظل وأنا إليك فقيرٌ.
اللهم إني لا أغادر ذنوبًا اقترفتها بقلبي أو لساني أو جوارحي، علمتها أو جهلتها، ذكرتها أو نسيتها، قصدتها أو أخطأتها؛ إلا اعترفت لك بها جميعًا؛ بأسبابها وآثارها، بأولها وآخرها، بباطنها وظاهرها، بجَدَّها وهزلها، بدِقِّها وجِلِّها، أنا الذي مَكَرتها ملفوفًا بسِترك محفوفًا بحِلمك، إلى نفسي وإلى الشيطان تُعزى؛ أما أنت -عَلَوْتَ وتعاليتَ- فلم تزل تُكَرِّه إلي النار وما قرَّب إليها، وتُحبِّب إلي الجنة وما قرَّب إليها، ما فرَّطتَ في تذكيري بشيءٍ، لك الحمد بمُتتابِع مواعظك ونُذُرك وعليك الثناء، وإني من قبلُ أبوء لك بكل نعمةٍ أنعمت بها علي من مِنَن ربوبيتك وآلاء ألوهيتك، في نفسي وفي جسدي، في أهلي وفيمن أحببت؛ فاغفر لي ما بين أفعالك الحُسنى وأفعالي السُّوأى؛ إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
ربِّ زدني إلى غناك فقرًا، وإلى قوتك ضعفًا؛ لا أغنى مني -حينئذٍ- ولا أقوى.
اللهم لا تمتني إلا سَفَّاحًا دماءً خبيثةً لزُمرةٍ نجسةٍ من طواغيت أعدائك بيديَّ؛ أحفر لهم أخاديد ضيقةً ثم أُوقدها نارًا لا تفور؛ حتى لا يُعَجِّل لظاها بإحراق جسومهم فيفَنوا سريعًا؛ بل تبقيهم حتى أُسْحِتهم فيها بألوان التعذيب وصُنوف الانتقام، فأنشرهم بالمناشير فِرَقًا، ثم أُمَشِّطُهم بأمشاط الحديد ما بين لحومهم وعظامهم، ثم أحتار ما أفعل بآثارهم الوَسِخة! ثم أُصَيِّرهم إليك أرواحًا وأشباحًا فتُسعِّر عليهم قبورهم بأنك عزيزٌ ذو انتقامٍ؛ ما فِعْلي بهم اليسيرُ هذا إلا ثأرٌ عاجلٌ لأسيرٍ طال في الحبس أسرُه، ووالدةٍ فُرِّق بينها وبين ولدها، وطفلٍ صار بفجور كفرهم يتيمًا، ولِهَائمٍ على وجهه أُخرج من بيته عَدِمَ المأوى، ومن قبلُ ومن بعدُ لدينٍ غُيِّبَ عن أعين الناس وجهُه الصَّبيح؛ رباه ذاك لي مُشتهًى فأقدرني عليه.
اللهم إني لست من خيار عبادك؛ لكني أطمع -وأنت خير شيءٍ- أن تعاملني بخير معاملتهم، اللهم احفظني -باطنًا وظاهرًا- بخير حفظك خيرَ عبادك، وأنت خيرٌ حفظًا وخير الحافظين.
ربِّ بما أسكنتني أفئدة أحبتي في الحياة الدنيا أمدًا؛ فخلِّدني بينهم في روضات فردوسك الأعلى أبدًا، وبما سَقوا روحي من سلسبيل هواهم حبورًا؛ فاسقهم من مِزاج الكافور والتسنيم شرابًا طَهورًا.
اللهم إني أسألك لمن ظلمتهم مثقالَ ذرةٍ بقلبي أو قولي أو عملي؛ أن تغفر ذنوبهم، وتستر عيوبهم، وتكشف كروبهم، وتطهِّر قلوبهم، وأن تصلح بالهم وحالهم ومآلهم؛ إنك أنت البر الرحيم.
ألستَ اللهم عند ظن عبادك بك! فإن ظني بك جميلٌ يقول: لا يتوفاني ربي حتى يتوب علي فأنهض بفرائضه وأقضي حقوق عباده، وظني بك حسنٌ يقول: عما قليلٍ يتجاوز مولاي عني -برحمةٍ ليس كمثلها رحمةٌ- حتى كأن خطيئةً لم تكن؛ هذي عقيدة قلبي في وعد ربي وإن ربي لا يخلف ما وعد، أحلف بك اللهمَّ؛ إنك لَمَن تُرجى مغفرتُه، ويُوثَق برحمته، ويُظن به كلُّ طيبٍ، لئن ساءت مني أعمالي فلا تسوء فيك ظنوني، ما حديث أنفاس نفسي إلا بمغفرتك التامة ورحمتك العامة؛ لا إله إلا أنت.
اللهم إن لي ذنوبًا وعيوبًا وكروبًا قد أعياني دفعُها جَهدًا، وقد يئست من نفسي -لا من رَوحك- أن أنجو من ظلماتها، وإني اليوم لا أبرح بابك حتى تُبَصِّرني بأسباب زوالها، وتُصَبِّرني على بذلها.
اللهم علمني عقائد “لا إله إلا الله” واملأني بها عملًا، وعلمني نُسُك “لا إله إلا الله” واملأني بها عملًا، وعلمني أخلاق “لا إله إلا الله” واملأني بها عملًا، اللهم لا تجعل مصيبتي في “لا إله إلا الله”.
كما تطيش “لا إله إلا الله” بسيئات عبدٍ يوم الحاقة؛ فإن عبدًا لك -هنا- يستغفرك بها من سيئاته جميعًا، ويستوهبك بها صلاحًا من آفات نفسه جميعًا؛ ربِّ فاغفر لي بها وأصلحني؛ لا إله إلا أنت.
اللهم لا تفرِّق بيني وبين من أحب يوم الجَمع؛ حتى تظلَّنا بظل عرشك، ثم تسقينا بيد رسولك، ثم تدخلنا الفردوس الأعلى من جنتك، ثم تجمعنا على كُثبان المسك يوم زيارتك في رضوانٍ منك أكبر؛ أمي وأبي وأهلِ بيتي وأهليهم، وأرحامي، وأصحابي، وأخلائي، وجيراني، ومشايخي، ومعارفي أجمعين.
اللهم إن يكن مَنُّك العطاءَ على غير استحقاقٍ؛ فإنه ليس عندي حسنةٌ تثيبني بها جلالَ الشهادة في سبيلك؛ بل عندي من السيئات ما يقبض لساني خجلًا عن رجائها؛ ربِّ فامنن علي بها مَنَّ حيٍّ على ميتٍ، وقيومٍ على مفتقرٍ؛ فإنه لا يشهد لتوحيدي عندك مثلُ دمٍ أَسْفكه ورُوحٍ أُزْهقها؛ يا منَّان.
اللهم إلا تتوفَّني شهيدًا؛ فتوفَّني في صلاةٍ تُحاجُّ عني سجدةٌ منها بين يديك، تقول: رباه ما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا بالزور اليوم شاهدين، واسأل الركعة التي كنا فيها والذل الذي أقبلنا فيه وإنا لصادقون، وإلا فتوفَّني بين خطوتين ساعيًا في كشف كربة عبدٍ من عبادك يُدْهَشُ قلبُه بتنفيسها سرورًا.
اللهم إني أستغفرك من خوادش التوحيد ما ظهر منها وما بطن، وأن أَضل عما أحييتني لأجله ساعةً فما دونها، وأن أعمَد إلى معصيتك أو أكون عليها من المُصِرِّين، وعظِّم رجائي فيك قريبًا منك ورهبتي إياك بعيدًا عنك، وعبِّد باطني وظاهري لك تعبيدًا، وأنقذني مما تنقذ منه خُلصاءك الأبرار.
اللهم إني أعوذ بك من محبة ما كرهت، ومن موالاة من عاديت، ومن استحسان ما قبَّحت، وأن أكون للمجرمين لحظةً من نهارٍ ظهيرًا؛ حتى تبعثني في المسلمين السالمين المؤمنين الآمنين.
برحمتك وحكمتك اللهم آلو؛ ما منعتني شيئًا من وجهٍ إلا أعطيتني من كل وجهٍ سواه، ولا قطعت عني شيئًا أحببته إلا وصلتني من كل جهةٍ عداه، أنعُمك باطنةٌ وظاهرةٌ، وآلاؤك وافرةٌ ومتواترةٌ، تباركت عليمًا ما تقبض عني خبيرًا كيف تبسط لي، لك الحمد على كل أحوالي وأحياني راضيًا بك، فضلُك علىَّ مانعًا أوسع من فضلك عليَّ مانحًا وأنت الحكيم الحميد؛ أستغفرك من جهلي وظلمي.
اللهمَّ إنِّي أُحِلُّ كلَّ من ظلمني (من المسلمين دون الكافرين)؛ فارزقني عفو من ظلمتهم أجمعين.
اللهم إني أمقت أن ألقاك بعملٍ صرفت منه أصغرَ من مثقال ذرةٍ لأحدٍ غيرك؛ ذلك أبغض إلي من كل سيئةٍ اجترحتها، فما كان من ذلك فإني أبرأ إليك منه خاشعًا بصري وأستغفرك يَرْهَقُني الذلُّ استغفارًا، ما حقُّك -واحدَ الربوبية أحدَ الألوهية- إلا كمالُ الإخلاص وتمامُ العبودية؛ لبئس ما فعلتُ سيدي.
اللهم إن كنت أرضيت الشيطان بذنبٍ أسخطك؛ فإني أتخذك اليوم وحدك وليًّا، فأتولاك بتجديد توحيدك وتكثير طاعاتك، فإن ينهش منهما عدوك وعدوي بعد اليوم شيئًا؛ أرغمت أنفه بتوبةٍ نصوحٍ من قريبٍ، وأحدثت بعد السوء حُسنًا؛ حتى لا يُصدِّق علي ظنَّه باتِّباعه؛ استدبرت الشيطان واستقبلت الله.
ربِّ اشفني في معاملتك من الناس، واشفني في معاملة الناس من نفسي؛ أنت الطبيب الرفيق.
اللهم لا تجعل لظالمٍ علي في ديني ومعاشي وأهلي سبيلًا، وأعذني إذا ثَقَفَني منهم ثاقفٌ أن أبيت بكيده على مسلمٍ دليلًا، وأحرزني ومن أحببت من سيِّء مكرهم بكرةً وأصيلًا؛ يا أعظم كفيلٍ.
يا جامع الناس ليومٍ لا ريب فيه؛ اجمع علي شوارد همومي التي تصلح معاشي، واجمع علي ضالَّات قلبي التي تصلح معادي، وأعذني من شتاتٍ في البال، وبعثرةٍ في الحال، وسوءٍ في المآل.
اللهم اكتب الإيمان في قلبي فلا تزيله فتنةٌ، وأيدني بروحٍ منك فلا يضرني الخاذلون أجمعون، وزحزحني عن النار فلا أحاذر بعدها غمًّا، واغمسني في الجنة غمسةً تنسيني كل نَصَبٍ سبق.
اللهم آتني من القرآن مثل ما تؤتي منه أهله الذين اجتبيتهم إليه؛ علمًا وتدبرًا وحفظًا وعملًا ودعوةً وحِسْبَةً وجهادًا، وأن تعصمني به من التيه والشقاء، وأن تجيرني به -ووالدَيَّ وأصحابَ الحقوق عليَّ- من أهوال الدُّور الثلاثة جميعًا، وارزقني -وإياهم- من سنة الرسول -صلَّيتَ عليه وسلَّمتَ- مثل ذلك؛ حتى تُضاء بهما قلوبنا وعقولنا، وتُنوَّر بهما أقوالنا وأعمالنا، ونكون عندك من المَرضيين.
اللهم صِلني بمن يصلني بك، واقطعني عمن يقطعني عنك.
اللهم ظَهرًا لا تنقضه يومَ التغابن مظالمُ خلقِك.
اللهم أقم قلبي في عباداتك الباطنة وجسدي في طاعاتك الظاهرة؛ ما يُذهب عني سيئاتي التي فعلت بهما فتُمحى، ثم لا أراها في كتابي إذ أقرؤه بين يديك فلا أُخذل ولا أُخزى؛ يا طيِّب.
اللهم إني أستغفرك من طاعتي قبل معصيتي؛ ما نقص فيها من الإخلاص لوجهك ومتابعة نبيك.
اللهم عاملني بخيرك وحسناتك؛ لا بشرور نفسي وسيئات أعمالي.
اللهم باعد بيني وبين الجاهلية ظنِّها وحُكمِها وتبرُّجِها وحَميَّتِها؛ كما باعدت بين المشرق والمغرب، وارزقني عداوتها وبغضاءها ما أبقيتني، وبلِّغني منها ثأر ما جَنَتْ على دينك وعبادك.
اللهم أيَّما عبدٍ لك عرَّفته بمعصيةٍ لك أو أعنته على شيءٍ منها؛ فافتح لي إلى توبته أبوابًا، ويسر لي في هدايته أسبابًا؛ حتى يقوم إصلاحي له مقام إفسادي، وأباعدَه عن سخطك والنار كما باعدته عن رضاك والجنة، ثم اجبر كسوري فيما عجزت عنه من ذلك (حقيقةً أو حكمًا) وأنت خير الجابرين.
اللهم إني أعوذ بك من الفتن شهواتها وشبهاتها، اللهم عقلًا كاملًا يحجز عن الأولى عند حُلولها، وبصرًا نافذًا يعصم من الثانية عند وُرودها؛ لا عاصم من سَوْقِ هذه إلى سُوقِ تلك إلا أنت.
اللهم اغفر لي كل كفرٍ كان بك، وإشراكٍ كان معك، وفتنةٍ كانت عن دينك، وصدٍّ كان عن سبيلك، وكذبٍ كان في أمرك، وظلمٍ كان لخلقك، وفسقٍ كان في نفسي، ما علمت من هذا وما لم أعلم.
اللهم ما حُرِمَه قلبي مما أحب بحكمتك؛ فامنن به على من أحب برحمتك.
اللهم يا من لا تنفعه طاعة من أطاعه كما لا تضره معصية من عصاه؛ تقبل مني ما لا ينفعك وإن كان يسيرًا قليلًا، واغفر لي ما لا يضرك وإن كان عظيمًا كثيرًا؛ إنك أنت الغفور الشكور.
اللهم شرِّفني بكرامة برِّ والدَيَّ حيَّين وميِّتين، واغفر لي ما سلف من تفريطي في عظيم حقهما وأرحامهما، واجعل كفارة ذلك أن أحضَّ عبادك على برِّ والدِيهم وصلة أرحامهم ما دمت حيًّا.
اللهم مَسِّكني بالحق ورُدَّني إذا شططت إليه، واجعل مداري إذا رضيت وإذا غضبت عليه، وارزقني الذلة له والتواضع لأهله، وجاهد بي الباطل وأهله أينما كنت جهادًا كبيرًا؛ يا حق.
اللهم ثبت قلبي أن يَزل، وعقلي أن يَضل، وقدمي أن تزول، وخُلقي أن يسوء.
اللهم إلا تجعل حياتي في طاعتك؛ فقد مات -وألوذ بك- قلبي؛ فألحق به جسدي.
اللهم اقسِم لي من الإسلام ما أَعرف به وليَّك فأنصرَه، وعدوَّك فأجاهدَه، ومن الإيمان ما يجعل رحمتي فيمن واليت، وشدتي على من عاديت، ومن الإحسان ما أكره به ما تكره، وأحب به ما تحب، واغفر لي موجبات الحرمان والخذلان، وأجرني أن أهون عليك فلا تبالي بي؛ أنت وليِّي في الدنيا والآخرة، توفَّني على دينك الذي أنعمت به علي وراثةً بلا حيرةٍ ولا عناءٍ، وارحمني أنت أرحم الراحمين.
المناجاة عادة ألسنة العارفين بالله فتعوَّدوها مثلَهم، المناجاة مستراح أرواح المقرَّبين عليها ربُّهم دَلَّهم، المناجاة كهف الراغبين الصادقين فتعلقوا بأسبابها، المناجاة فردوس ربكم بأرضكم فتدافعوا بأبوابها، مناجاة الله عزٌّ بأشرف الذل واستغناءٌ بأمجد الافتقار؛ من أفاض الله بها على فؤاده ولسانه فطُوباه.