كان لا يتْبَع في المسموعات والمقروءات والمرئيات إلا ما تَفِهَ وسَفُهَ؛ حتى ظننت أنه إذا خُيِّر بين تافهين -فيما يُطالِع- فسيختار أسْفَهَهُما، وظنُّ السُّوء إذا وضعتَه موضعَه كان أحسنَ الظن.
كان يتعلَّل -كلما نُصِح له في هذا- بحاجة نفسه إلى الترفيه بما طَرُفَ من الكلام وظَرُفَ، وأنه راجعٌ بعد هذه الجولة القصيرة إلى معالي الأمور، وأنه يَسْتَجِمُّ من جَهدٍ جَهيدٍ (لم يُرَ قطُّ له باذلًا).
أذْكَرَني هذا المُتبائسُ حالَ صَديقٍ كان لا يهرب بالنوم من النوم إلا إلى النوم، فكنت أقول له -ممازحًا بين جِدَّين-: نم من الفجر إلى الظهر، ثم نم القيلولة؛ حتى تستطيع النوم مرتاحًا بعد العشاء.
ليس الشأن أن محتاج قليل الراحة هو كثير التعب، ولا أن ما تحِيد منه من الواجبات لا يحِيد منك؛ الشأن أن من أَنِسَ بشيءٍ استوحَش بضِدِّه، اليومَ هذا المُتلهِّي يولِّي مما ينفع، ويفرُّ مما يفيد.