عن لفظةٍ قلتها قالوا: آذتنا،

عن لفظةٍ قلتها قالوا: آذتنا، وقول عبد الله الشريف: “جيشنا”، وأسطورة العسكري الغلبان.

عاتبني مَن عتابُهم العتابُ في نفسي وحقُّهم الحقُّ فوق رأسي؛ في لفظةٍ ذميمةٍ كتبتها معلِّقًا على عبد الشيطان -لا الرحمنِ- الكافر الفاجر الذي قَتل ومَثَّل وحرَّق عبدًا من عباد الرحمن؛ تقبل الله المقتول الذي لم يضرَّه التمثيل والتحريق شيئًا في خير الشهداء، وأمكَن من قاتله وإخوانه عَبَدَة الطاغوت ولعنهم لعنًا كبيرًا، كما عاتبني بعض الأحبة الأماجد في سكوتي عن قول عبد الله الشريف: “جيشنا”.

أما هذه اللفظة فيعلم أهلي وإخواني أني أعجز عن النطق بها في الواقع، وما سمعها أحدٌ مني قطُّ ولا أقولها إن شاء الله؛ لكني قاصدًا عامدًا كتبتها -وقد أعيدها ونحوها- ليقرأها من يتابع الصفحة من الكفار الأصليين والمرتدين المحاربين اللهَ والرسولَ والإسلامَ والمسلمين، فتؤذيهم أذًى خاصًّا لا يؤذيهم مثلَه إلا مثلُها، وأنا أعلم أن عديدًا منهم يتابع صفحتي، وألقى من بعضهم في التعليقات والخاصِّ ما ألقى.

قال: أولم تقرأ قول الله في رسوله: “وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ”! قلت: أولم تقرأ ما بعدها: “وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ * هَمَّازٍ مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ * مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ”! فهذه والله عظَمة خُلق الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا عظَمة فوقها؛ أن يُغلِظ القول لمن حقُّه إغلاظ القول له، جامعًا عليه نُعوتَ السوء هذه جميعًا، فأما من وضع الرفق في غير موضعه؛ فليس من العظَمة في شيءٍ.

يا أحبَّتاه؛ إنما النَّكير على الفحَّاشين المسرفين في السِّباب (بنوعٍ أو كَيفٍ أو كَمٍّ)؛ حتى باتوا به معروفين وأصبحوا به موصوفين، فأما بعض الشتم على بعض الأحوال موضوعًا موضعَه فلا إنكار فيه إن شاء الله، لنا في نحوه سلفٌ من أصحاب محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- الذين أُمِنَت بوائقُهم ومَثُلَت خلائقُهم، وتفصيل هذه المسألة من وحي الله وسنة الرسول وفقه الأئمة المتبوعين بهما معلومٌ لأهله.

وأما قول عبد الله الشريف -وفقه الله، ووفق به-: “جيشنا” ونحوها؛ فلا أستغربه وإن كنت أنكره؛ فإن أخي -غفر الله لي وله- على ما ينفع الله به فئامًا عظيمًا من عامة المسلمين؛ متأخونٌ لا يُشكُّ في هذا، والتأخون فيروسٌ لا يصيب عبدًا إلا أزْرَى به في قليلٍ أو كثيرٍ، وقديمًا قلت: لا يُسلِم ذو عقلٍ عقلَه إلى “الإخوان”؛ إلا فقد من رُشده بقدْر ما أسلم لهم منه؛ براءةٌ إلى الله والرسول من “الجيش” جميعًا.

إن الذين يتصورون “الجيش” رأسًا على غير جسدٍ؛ قومٌ مخابيل نترفَّع عن مجادلتهم، وهم بذلك أَولى أُولي الجهل بمذهب أبي جهلٍ يوم أشار على قريشٍ أن يقتل نبيَّ الله -صلى الله عليه وسلم- رجالٌ من قبائل شتى، يضربونه بأسيافهم ضربة رجلٍ واحدٍ، فيتفرَّق دمه بين القبائل؛ وتلك أسطورة العسكري الغلبان، أما أُولو العلم والنُّهى فيقولون: لا فرعون إلى يوم القيامة بغير أوتادٍ، وأول الأوتاد الجنود.

“فَتَعَاطَى فَعَقَرَ”؛ تخبرك هذه الآية أن عاقر ناقة صالحٍ رجلٌ واحدٌ، “فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا”؛ تخبرك هذه الآية أن عاقر الناقة قومُ صالحٍ أجمعون؛ ألا إن الذي عقرها رجلٌ واحدٌ؛ لكنَّ هؤلاء لما رضوا عقرَه وكانوا له شركاء؛ جعلهم الله لها عاقرين، وحاسبهم حساب العاقر بيده بلا فرقٍ؛ وذلك المعقول وحدَه، ولو جاء الإسلام بغيره -حاشَ لله- لكنا به كافرين؛ كيف بمن كان يدَ العاقر التي لا يفعل إلا بها!

“ما من نبيٍّ بعثه الله في أمةٍ قبلي؛ إلا كان له من أمته حواريُّون وأصحابٌ، يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلُف من بعدهم خُلوفٌ؛ يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون؛ فمن جاهدهم بيده فهو مؤمنٌ، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمنٌ، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمنٌ، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردلٍ”؛ لم يُبق تركُ جهاد هؤلاء في القلوب من الإيمان شيئًا؛ بالله ما يقال في جنودهم!

هل أنت من قُرَّاء “البقرة”! هل تصدِّق أخبارها وأحكامها! هل تنكر فيها من عدل الرحمن شيئًا! فانظر إلى ربك -سُبُّوحًا عن الظلم قُدُّوسًا- كيف حمَّل اليهود زمانَ محمدٍ عليه صلاته؛ كلَّ جرائم اليهود زمانَ موسى عليه سلامه! فقال لهم: “ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ”، “وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً”، “ثُمَّ تَوَلَّيْتُم”، “ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم”، وبين هؤلاء وأولئك قرونٌ؛ لكنها حمولة الإقرار والقبول.

“إذا عُملت الخطيئة في الأرض؛ كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها”، “لعن رسول الله آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهدَيه، وقال: هم سواءٌ”، “لعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها”؛ كيف بمن أعان على أنواع الطغيان والإفساد في الأرض، وأعطى الطاغوت ثمرة فؤاده!

“وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا”، “فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِّلْكَافِرِينَ”، “قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ”، “إنه يُستعمَل عليكم أمراءُ فتَعرفون وتنكرون؛ فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكنْ من رضي وتابع”، “ليأتين عليكم أمراء يقرِّبون شرار الناس، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها، فمن أدرك ذلك منكم؛ فلا يكونن عَرِيفًا ولا شُرَطِيًّا ولا جابيًا ولا خازنًا”؛ قرآنكم وسنتكم.

“وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ”، “ينادي منادٍ يوم القيامة: أين الظلمة وأعوانهم؟ فما يبقى أحدٌ مدَّ لهم حِبرًا أو حَبَّر لهم دَواةً أو برى لهم قلمًا فما فوق ذلك؛ إلا حضر معهم، فيُجمَعون في تابوتٍ من نارٍ فيُلقَون في جهنم”؛ هذا الميزان الذي لا نرضى غيره حتى نلقى الله لائذين في الثبات برحمته.

“وَلَوْلَآ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا”؛ مجرَّد الكَيْدُودَة ومجرَّد المَيْل؛ إذا هما وقعا منك يا محمد؛ فلأعذبنك حيًّا وميتًا بأغلظ العذاب، حتى قال عندها الزمخشري رحمه الله: “على المؤمن إذا تلا هذه الآية؛ أن يجثو عندها ويتدبرها؛ فهي جديرةٌ بالتدبر، وبأن يستشعر الناظر فيها الخشية وازدياد (التصلُّب) في دين الله”.

في القرآن كله؛ يجعل الله جزاء العبيد والسادة واحدًا، ولا يعذر المستضعفين حتى يُقحِمهم في جهنم بمُواطأة المستكبرين على جناياتهم، وتلك والله الحقِّ أحكامٌ حِسِّيةٌ عقليةٌ قبل أن تكون أحكامًا عقديةً شرعيةً؛ بل هي قوانين الكفرة الوضعية أنفسهم؛ فإنهم كانوا ولا يزالون يأخذون مُشاركي المجرمين -بمقاييسهم الوَسِخة- بأدْوَنِ المشاركة؛ أفإن عاملناهم ببعض ما يعاملوننا به كنا نحن المتطرفين!

إلى البقية الباقية في الأرض ممن لم تمسخ الجاهلية فِطَرَهم؛ أعتذر من سَوْق الأدلة على اليقينيات وحَشْد البراهين في القطعيات، أجل؛ فإن من المعضلات شرح الواضحات، وكيفَ يصحُّ في الأذهانِ شيءٌ ** إذا احتاجَ النهارُ إلى دليلِ، وكما قال الطُّوفي -رحمه الله- ذاتَ وجعٍ: “هَدْم المهدوم تعبٌ، وتحصيلٌ للحاصل يورث النَّصَب؛ فإن الأمر على ما قال القائل السابق: فأيُّ طلاقٍ للنساءِ الطوالقِ”.

ذلك وإني أُحب لأخي عبد الله أن يعتذر عن حلقة هشامٍ -تقبله الله- بعدما بيَّن له نفرٌ ممَّن هم أخصُّ منه به وأثبتُ منه فيه ما بيَّنوا؛ فإن الخلل بها في مستوى المعلومات قبل مستوى التحليل وذلك أشد شناعةً، ورجوعه -وإيانا، وكلِّ ذي خطأٍ عن خطئه- فريضةٌ لا فضيلةٌ، وهو المُنْبَغِي للمنتسبين إلى الإسلام والدعوة إليه والحِسْبَة فيه، فأما مستوى التحليل فراجعٌ -كما تقدَّم- إلى تصوره وفكره وفيه ما فيه.

اللهم انفع بعبدك عبد الله الشريف، واحفظه من كل فتنةٍ وسوءٍ فيمن حفظت من عبادك الصالحين، وأعذه وكلَّ عاملٍ لدينك وأوليائك من كل متكبرٍ لا يؤمن بيوم الحساب، وثبِّت قلبه أن يضلَّ وقدمه أن تزلَّ حتى يلقاك في المؤمنين الآمنين، وإيانا -يا ذا الجلال والإكرام- والمسلمين أجمعين؛ علم ربي ما في قلبي من ابتغاء التوفيق والمغفرة والهدى والعافية والثبات له ولكل محبٍّ لله، وخاب الشانئون.

أضف تعليق