سمعت “كورونا” يقول:
يا أيها الناس؛ أنا من صغُر في نفسه منذ صوَّرني ربي؛ لكني اليوم لا أكبرَ مني في نفوسكم مؤثرًا وأكثرَ آثارًا؛ إلا الذين ملأتْ قلوبَهم كبرياءُ الإله الأكبر؛ أولئك يشهدونني كما أنا لا أفعل ما أشاء.
يا أيها الناس؛ أنا من يأتي من أراد الله بلا احتسابٍ، ولا يمنعني عن ذي سلطانٍ بابٌ ولا حُجَّابٌ، وقد جمع الله العالم كله على أمري قدَرًا؛ بعد إذ لم يجتمعوا على مراده منهم شرعًا، وهو الواحد القهار.
يا أيها الناس؛ سواءٌ عليكم أَحْصيتم مَوْتاي في العالم كله -منذ أرسلني الله إلى يوم يحبسني- أم لم تُحصوهم؛ يبقى قتلُ الطواغيت مسلمًا واحدًا بغير حقٍّ إلا أن يقول: ربيَ الله؛ أعظمَ عند الله والرسول.
يا أيها الناس؛ إن أولياء الطغاة من المثقفين والسياسيين الذين يُظهرون الرأفة لكم والرحمة بكم أن تُصابوا بي؛ إنما يخشون على أنفسهم عَدْوَاي، ولو عرفوا للإنسانية عنوانًا؛ ما كانوا للشياطين أعوانًا.
يا أيها الناس؛ لقد كنت وأصحابي ننظر إليكم في عالم الشهادة من عالم الغيب الذي أودَعَنا الله فيه، فنظن -بما تحدِّثون عن علمكم وقوتكم- أنكم لا تُقهرون؛ حتى بدا لي جهلكم وضعفكم فأشفقت عليكم.
يا أيها الناس؛ أيُّ كفارٍ كفارُكم! وأيُّ عُصاةٍ عُصاتُكم! لقد كان ربي يسلِّط بعض إخوتي الذين هم أضعف مني على المشركين فيوحِّدونه وإنْ بأفواههم، وعلى العُصاة فيُنيبون ولو بألسنتهم؛ فمن أنتم!
يا أيها الناس؛ أنا لست أول جنود الله الخفية ولا آخرها، ولقد تركت ورائي ما لا قِبَل لعقولكم باحتمال أخباره لا آثاره، وإني زائلٌ عنكم متى فرَغْت من غايتي فيكم؛ فاصبروا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون.
يا أيها الناس؛ انظروا إلى طواغيتكم كيف لم يزدادوا بي إلا بغيًا عليكم، ولولا أن سهامي لا تفرِّق بين رئيسٍ ومرؤوسٍ؛ ما خطر لهم فَناؤكم أجمعين على بالٍ، وما يُنقِذون بقرارٍ إلا أنفسَهم لو تشعرون.
يا أيها الناس؛ إذا أشبهَتْ قلوبُكم في بلائي قلوبَ من لا يؤمن بأسماء الله وصفاته فجزِعتم، وأشبهَتْ أعمالُكم أعمالَ الذين لا يوقنون باليوم الآخر فلم تبالوا؛ فما انتفاعُكم بما عندكم من التوحيد والقرآن!
يا أيها الناس؛ أوَلمَّا أصابتكم مصيبتي قلتم: أنَّى هذا! فإن ما يصعد إلى السماء من أنواع خطاياكم؛ أعظم مما ينزل إلى الأرض من صُنوف بلاياكم، فاشغلوا أنفسكم بما عليكم فيَّ، ودَعُوا ما كفاكم الله.
يا أيها الناس؛ أين كل ما صارت إليه الحضارة البشرية علمًا وعملًا؛ من أُلوفٍ مؤلَّفةٍ أُزهق كل يومٍ أرواحَها! كيف سَدَنَة النظام العالمي الجبارون مني ضئيلًا لا تراني العيون! لمَن المُلك اليوم هنا!
يا أيها الناس؛ إذا لم يؤمن بي كافرُكم، ويؤوب بي شاردُكم؛ فإن عند ربي جنودًا أشد مني قوةً وأكثر عددًا، ما بينها وبين إرسالها في الأرض -بأسًا على الكافرين، ورحمةً بالمؤمنين- إلا إذنٌ عُلْويٌّ حكيمٌ.
يا أيها الناس؛ خذوا حِذركم مني غيرَ مفرِّطين؛ لكن اعلموا أنه لا يغني حَذرٌ من قدَرٍ، إذا حلَّت المقادير ضلَّت التدابير؛ فآمنوا بقدَر الله الذي خلقني وما أعمل، لن أصيبكم إلا بما كتب الله لكم، وأبشروا.
يا أيها الناس؛ اتَّقوني بأسبابٍ ربانيةٍ وأسبابٍ بشريةٍ؛ فأما الربانية فقلبيةٌ هي تجريد التوحيد لربكم، وعمليةٌ هي التوبة والاستقامة، وأما البشرية فتَركيةٌ هي اجتناب كذا وكذا، وفعليةٌ هي عمل كذا وكذا.
يا أيها الناس؛ من هانت منكم عليه نفسُه فلم يعبأ بأسباب الوقاية مني؛ فليتق الله فيمن يُكرَمون عليه حوله؛ أن يضرهم تهاونُه -إذا شاء الله- فيَسْقَمُون بي فيتعَس، ثم هو يوم القيامة من المسؤولين.
يا أيها الناس؛ ليس العجب ما كَشَف قدَري من أنكم أصواتٌ بلا صُوَرٍ، وصُوَرٌ بلا حقائق؛ لكنَّ العجب العُجاب ألا تتبَّعوا عيوبًا هُتِكت فيما بينكم بالمعالجة، وذنوبًا فُضِحت بينكم وبين ربكم بالمَتاب!
يا أيها الناس؛ لا أشقى اليوم من ملحدٍ يصر على كفره بالغيب -بعدما سُلِّطتُ عليه منه- وأنا المؤمن بالله، ولا أسعدَ من مؤمنٍ امتحن الله بي قلبه؛ فاستخرج منه تفويضًا وتوكُّلًا وصبرًا ورضًا وتسليمًا.
يا أيها الناس؛ إني من أشياءَ في هذا الكون تُسبِّح كلها بحمد الله، ولقد عشت ساكنًا ما شاء الله فيه حتى حرَّكني ربي وهو العليم القدير، ولو أردت أن أرجع بنفسي ساكنًا لم أقدِر؛ فرُدُّوا إلى الله وحده أمري.
يا أيها الناس؛ لا تُغالوا في قدْري؛ من شاء الله منكم حياته حَيِيَ وإن أَصَبتُه، ومن شاء منكم موته مات وإن لم أُصِبْه، وإن عبدًا يُجدِّد لربه -كل ليلةٍ- إسلامه؛ لا يضره أن يصبح -بي أو بغيري- ميتًا.
يا أيها الناس؛ لقد أشهدني ربي عليكم أنكم تستطيعون؛ رأيت امرأةً تمدُّ يدها إلى رجلٍ بالمصافحة فعَجِل إليها بالاعتذار، وكان من قبلُ يصافح يقول: لا أستطيع، ورأيت من أشباه ذلك منكم ما أدهشني.
يا أيها الناس؛ اليوم سهُل عليكم اعتزال بعضكم بعضًا في كثيرٍ من المباحات، وقد بُحَّ صوت الإسلام أن تعتزلوا الذين يُسَهِّلون لكم الخطايا والمحرَّمات؛ أتخشونني كخشية الرحمن أو أشد خشيةً!
يا أيها الناس؛ إني داءٌ ولي دواءٌ كما مضت سنة الله في كل داءٍ سلف؛ لكنَّ بارئي لم يُظهر دوائي لأحدٍ من العالمين، ولو كنت مكانكم فأُصِبتُ بكم؛ لسألت الله باسمه “المبين” أن يُبَيِّن لي تِرْياقي منكم.
يا أيها الناس؛ تواصَوا بالصبر وتواصَوا بالمرحمة، واقتصدوا في الإنفاق لا تسرفوا ولا تَقْتُروا؛ إني لا أُدفع بالاستكثار من المآكل والمشارب، ولو كنت مدفوعًا بعلاجٍ في الأرض فبالتراحُم فيما بينكم.
يا أيها الناس؛ ما الكُحُولَّات وسائر المطهِّرات إلا أسبابٌ من أسباب الله، وإنما “القدُّوس” الله؛ المطهَّر في نفسه المطهِّر ما شاء من خلقه؛ فأَلِظُّوا باسم “القدُّوس”؛ فإنكم رابحون التسبيح وإن خسرتم.
يا أيها الناس؛ لقد جئتكم من كل مكانٍ، ولا عاصم اليوم مني إلا من رحم الله، وإنما يرحم الله من قصد رحمته بأسبابها، وأول أسبابها من العقيدة الإخلاص، ومن العبادة الصلاة، ومن المعاملة أداء الحقوق.
يا أيها الناس؛ إذا غرَّتكم العافية فلم تشهدوا افتقاركم إلى ربكم، ولم تصمُدوا إليه في حوائج دنياكم ودينكم؛ فهذا البلاء لا غاية له إلا إظهار عبوديتكم لربكم؛ “مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ”!
يا أيها الناس؛ سأذهب عنكم بقدَرٍ كما جئتكم على قدَرٍ؛ لكن لا يستوي من غلبه معناي على مادَّتي فشهد حكمة الله فيَّ وتعبد له في شأني بما يحب ويرضى، ومن غلبته مادَّتي على معناي فعَمِي وقعد.
يا أيها الناس؛ من الضَّار النافع؟ من المُعِز المُذِل؟ من المهيمن؟ من الكبير؟ من القدير؟ من المتين؟ من الديَّان؟ من الجبار؟ من الحسيب؟ من العظيم؟ من الحق؟ من المَلك؟ من الواحد؟ وحِّدوا الواحد.