هنا خطابةٌ تزعج الناعمين من طلاب علمهم؛ فليجتنبوها رغدًا.
هذا حرف اعتذارٍ إلى الله والرسول والإسلام؛ لا أريد به إعجاب عاجبٍ.
يا عليمُ اشهد، يا خبيرُ اشهد، يا سميعُ اشهد، يا بصيرُ اشهد؛ كفى بك شهيدًا.
بينما يتخذ نفرٌ هنا من أشباه الناس دينَ الله الأقدسَ لهوًا ولعبًا، يَعبدون أنفسَهم عبادةً خفيةً على أكثركم غيرَ خافيةٍ على الإله المحيط، ويُعَبِّدون عباد الله -حيارى آخرِ الزمان- للقصور تارةً وللقبور تارةً أخرى، لا يبالون بتوحيدهم وعبادتهم ما داموا لأنفسهم الدميمة شاهرين ولذَوَاتهم الخبيثة مظهرين، سوَّد الله في الدُّور الثلاثة وجوههم وأخزاهم وهتَّك أستارهم ومَقَتَهم مقتًا عظيمًا، بينما هم كذلك؛ إذ مرِض شيخٌ جليل القدْر في الإسلام علمًا وعملًا بالكورونا في سجنٍ من سجون مصر الأسيرة بأَسْرها، فاستاقه حكامها الكفرة الفجرة أبناء القردة والخنازير إلى مشرحة موتى بقاهرة أهلها فوضعوه حيًّا بينهم، والله يكتب ما يفعلون.
ذاكم الشيخ “مَدْيَنُ”؛ وليٌّ من أولياء الله الذين هم أولياؤه بحقٍّ بما بسط لهم من شرف مقاتلة أعدى أعدائه في الأرض، أسلمه طواغيت السودان إلى طواغيت مصر منذ مدةٍ، فأداموا حبسه سقيمًا لا يقدر على شيءٍ، وسامُوه سوء العذاب في ظلمات مكاتب التحقيق التي لا نور فيها إلا ما في صدور السادة المعذَّبين، شيخٌ يُعَرِّفه الحُقراء من عبيد هذه الدار النَّكِدَة بأنه جهاديٌّ، وربُّك الله في عليائه فوقَ عرشه وسمائه بريءٌ ورسولُه من دينٍ لا يقاتل أهلُه طواغيت العرب قبل العجم وإنْ بألسنتهم، صَحِبَه الأبرار في العافية وفي البلاء فأشهدَهم الله زهدَه في الدنيا وذُلَّه على المؤمنين وعزَّتَه على الكافرين وعلمًا بالوحيين وفيرًا.
أنجبته السلفية التي ما أنجب أكثرَ مقاتِلة الطواغيت -هذا الزمانَ البئيسَ- مثلُها، فلله الحمد الجميل إليها ولله الحمد الجزيل عليها، كأنما تعتذر السلفية إلى الله عمَّن خرج عنها -على حين غفلةٍ منها- من عبدة الطواغيت الذين يسميهم الناس جاميةً ومداخلةً. فأما صوفية اليوم فأين مقاتِلة الطواغيت منهم في الأرض كلها إلا قليلًا! ألا إن صالحيهم السادة المجاهدين في تاريخ الإسلام -حتى زمانٍ قريبٍ منا- بُرآء منهم حتى يفيؤوا إلى الإسلام الكامل لا يفرِّقون بين شرائعه. أشهد للسلفية بهذا وأنا لا أُعَرِّف نفسي بأكثرَ ولا أعظمَ مما عرَّف الله به المسلمين من وصف الإسلام، حسبي الإسلام نعتًا ونِعْم الثناء؛ توفاني الله عليه وإياكم.
ذاتَ هوانٍ على نفسه؛ كتب أزهريٌّ على صفحته من قريبٍ: حسْب الأزهر شرفًا أنه لم يُخَرِّج تنظيماتٍ إرهابيةً. وبِغَضِّ البصر عن فاضح جهله ومبين غبائه، وما الشيخان الفريدان عبد الله عزام وعمر عبد الرحمن -من رؤوس الإرهابيين لأعداء الإسلام- إلا أزاهرةٌ، وما أبناء الأزهر في صفوف السادة المتطرِّفين إلى ربهم -لا يُحْصَون عدًّا- إلا شهودٌ عليه؛ بَيْدَ أني لما قرأت هذا المنشور الخَسيف؛ ذكرت قول القائل: يُقضَى على المرءِ في أيامِ محنتهِ ** حتى يرى حَسنًا ما ليسَ بالحَسنِ! أوَ هذا مما يباهَى به يا قوم! أفإن لم يُخَرِّج الأزهر مقاتلين للطواغيت -أنجَسِ أهل الأرض وكل كوكبٍ تحت أديم السماء- يفاخِر مسلمٌ بذلك!
يا عباد الله الميامين؛ لا يُشَوِّهَنْ قتالَ الطواغيت في قلوبكم وعقولكم مُشَوِّهٌ فاجرٌ وإن أُشير إليه في علمٍ ببنانٍ، كفلانٍ هنا وفلانٍ وفلانٍ، مهما جلَّت أخطاء المُقاتِلِينَهُم وجمَّت، والله ورسوله ودينه والمسلمون منها خطأً خطأً بَراءٌ؛ لكنَّ تصورات فلاسفة المسلمين والجهمية والمعتزلة والاتحادية والجبرية الفاسدة عن التوحيد لا تُسقط التوحيد، وتجارب الحُكم بالإسلام البشرية المنتسبة إليه في التاريخ القديم والحديث مهما عظُمت أخطاؤها لا تُسقط الحُكم الإسلامي، وما أحدث كثيرٌ من بني الإسلام في أركانه وشعائره من البدع والضلالات لا يُسقط الأركان والشرائع؛ كذلك قتال الطواغيت مهما غَزُرَت خطايا أهله لا يَسقط.
ترون أولئك المظهرين شفقتهم على عامة المسلمين -اليوم- في أخطائهم العقدية والنُّسكية والأخلاقية رُؤَفاءَ حقًّا! لا والله الحَكم الحق خير الفاصلين؛ بل كذبةٌ قُساةٌ مُغْلظون، يتمحَّلون المعاذير لكل ذي بدعةٍ في المسلمين وإن بلغت به حد الزندقة، فإذا أخطأ مقاتلو الطواغيت في نظرٍ أو عملٍ؛ شنَّعوا عليهم بل على الشعيرة نفسها لا يرحمون، ولو كانوا يعادون الطواغيت لم يفعلوا. قتل سيدُنا أسامة بن زيدٍ رجلًا خطأً وهو هو رضي الله عنه، وقتل سيدُنا خالد بن الوليد بني جذيمة وهو هو رضي الله عنه؛ كيف يُظَن بمقاتِلة اليوم وهم المساكين الغرباء! نعوذ بالله من قبول باطلهم، وكم تبرأنا من خطاياهم!
يقصُّون عليكم من روائع قصص الخلافة الراشدة وما تلاها من تجارب الحُكم الإسلامية البشرية ما يقصُّون، وقد علم الله وأولو العلم من عباده أن فيها من الأخطاء النظرية والعملية أنواعًا وكمًّا وكيفًا ما لا طاقة للعدِّ بإحصائه، كلما دنا الزمان من النبوة قلَّت الأخطاء وكلما بعُد كثُرت، لا تستوي الخلافة الراشدة وما أعقبها؛ كيف تظنون بضعفاء اليوم الذين انتهضوا بخالص الانتماء للإسلام ونبيل الهَمِّ لأهله يقاتلون الطواغيت وحدهم! تالله ما شُكرُهم من صادق النسبة إلى الإسلام إلا أن يُسدِّد لهم علمًا وعملًا، وأن يشهد لهم بالجلال ما دام لم يشهد على نفسه بالحَقارة؛ لا أن يسابق طواغيت العالم اللُعَناءَ في البراء منهم.
ربنا ما ثبَّتَّ قلب عبدك مَدْيَنَ على الإسلام؛ لم يضرَّه أذًى في جسده، فداءُ دينِك الأجلِّ جسدُه وروحُه ومثلُ ذلك منا ومن المسلمين جميعًا، كم أكلت الأرض من عافية الناس يا شياطين الحُكم في مصر! إن جنة هؤلاء الذين قاتلوكم في مصر وفي الشام وفي ليبيا وفي غيرها في صدورهم، وإن لهم من ألوان السعادة في بلائهم أضعاف ما عليكم من صنوف الشقاء في عافيتكم، حتى إذا صرنا وإياكم إلى القيامة رجونا غفران الله ورضوانه، وكنتم بحمد الله حَصَبَ جهنم لا يخلف الله الميعاد. واكْبِت اللهم علمًا وطُلَّابَه لا يزيدون عبادك بهذا إلا جهلًا.
يا عليمُ اشهد، يا خبيرُ اشهد، يا سميعُ اشهد، يا بصيرُ اشهد؛ كفى بك شهيدًا.