قديمًا كنت أدعو على البراهمة والمداخلة ومن ماثلهم من عبيد الدنيا وإمائها؛ أن يتسلط الطغاة عليهم، ثم أمسكت عن هذا لأمرين؛ الأول: أن الطغاة مسلطون عليهم تسلطا أعظم من تسلطهم علينا؛ فإن تسلطهم علينا بالرَّهَب لثورتنا عليهم بعزة الإسلام، وتسلطهم على هؤلاء بالرَّغَب لخضوعهم لهم طوعًا واختيارًا، ولم تزل فتنة الرَّغَب أشد من فتنة الرَّهَب عند المؤمنين جميعًا. الثاني: أن تسلط الطغاة عليهم بالرَّهَب شيءٌ يحبونه ويتعشَّقونه، حتى إنهم ليذودون عنهم كلما هتكوا الأعراض وسفكوا الدماء وحبسوا الأحرار، ولم أقل: وحاربوا عقائد الإسلام وشرائعه؛ فإن هذا مما لا يعنيهم في قَبِيلٍ ولا دَبِيرٍ كما يشهد القاصي والداني، فدعاؤنا عليهم بتسلط الطغاة عليهم بالرَّهَب دعاءٌ لهم بالشيء يحبونه ويشتهونه، ويركضون إليه ويطوفون حواليه ويخرُّون للأذقان بين يديه، فلم يبق لنا إلا أن ندعو عليهم جبار السماوات والأرض أن يعذبهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة وفي برازخهم بما يُسْحَتون به ويُدْحَرون، وكفى بالله محيطًا.