“مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ”؛ واهًا!

“مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ”؛ واهًا!

“يدخل الجنةَ أقوامٌ أفئدتهم مثل أفئدة الطير”.

“لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله؛ لرزقكم كما يرزق الطير”.

ليت ربي يدخلني الجنة برحمته، ثم يُدنيني من الطير ويُدنيها مني؛ إني أهواها.

أحب الطير كل الطير؛ مسخراتٍ في جوِّ السماء صافَّاتٍ ويقبضْن، وراكضاتٍ على أديم الأرض زاهياتٍ ويفخرْن، أحب أفئدتها الناعمة رباعية الحجرات، وأجنحتها مكسُوَّةً بالرِّياش بديعاتٍ، ومناقيرها ذاتَ أنواعٍ مزيناتٍ وغير مزيناتٍ، لَيْلِيَّها الرَّوامسَ ونَهَارِيَّها والشَّفَقِيَّات، أحب طنَّاناتها ياقوتيات الحناجر أصغرَها، وذوات الرقاب الحمراء من النَّعام أكبرَها، أحب طاعمات الفواكه وآكلات الجِيَف، أحب برِّيَّها وبحَريَّها، وحْشِيَّها وأليفها، مُهابَها وهَيَّابها، عفيفها وخليعها، نشيطها وخاملها، أبيضها وأسودها، متطفلات الأعشاش وغير المتطفلات، أحب أصواتها متفاوتات الإطراب لا كريه فيها لديَّ، أحب أوكارها ما رقَّ منها وما غلُظ، أحب خلائقها ما ساء منها وما حسُن، أحب طرائقها ما لان منها وما خشُن، ما تطوَّرت عن ديناصوراتٍ كذَب الخرَّاصون ولو حلفوا؛ بل خلقها وبرأها وصوَّرها الخالق البارئ المصوِّر بائنةً عما سواها، إلا فواسق الطير التي جاءت شريعة الرب الخبير الحكيم بقتلها؛ فتلك أجفوها جفائي كل فاسقٍ.

لا أحصي كم رأيتُني في المنام أطير؛ حتى لَأطير فوق بحارٍ طويلةٍ لا أبالي!

ألا إن أحب الطير إلي مولاي هدهد سليمان شيخُ موحِّدي الأطيار، وطيرًا شَرَكَت أباه داود تسبيح السُّبوح القدُّوس “مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ”، وطيرًا مجَّدها الله بالانتصار لبيته الحرام أبابيل، ترمي أبرهة وجنوده بحجارٍةٍ من سِجِّيلٍ، وطيرًا خُضْرًا في أجوافها أرواح السادة الشهداء لها قناديل معلقةٌ بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، وطيرًا اجتباها الله لأصحاب الجِنان في جواره لحمًا يَطعمونه مما يشتهون، والدِّيَكة يوقظ الله بصِياحها المصطفَين من عباده للمصطفى من شعائره، ويُشهدها ملائكتَه فتصيح فنسأله من فضله الكبير، وحمام مكة الوادع، ثم سائر الحمام، والعصافير بأنواعها وألوانها، والطواويس وكل باهر الجمال أشْبَهَه، وطيورًا أعرف صورها ولا أعلم أسماءها الله يعلمها ومن علَّم من الناس، أحب الطير وطار ويطير وطيرانًا ومطيرًا؛ إنه عشق الحرية والانعتاق من وراء ذلك جميعًا.

سبحان بديع الخلائق أجمل الجُمَلاء! ما حقُّك المبارزة بالقبائح؛ فاغفر قادرًا علينا.

أضف تعليق