الكلام كلامان؛ كلامٌ بموجودٍ، وكلامٌ بمهبودٍ، فالأول الكلام -عَوْذًا بالله- بعلمٍ، والآخَر الكلام برَزْعٍ، ويقال له: الهَرْي، وزعم ابن أبي هَلْكٍ الحشوي المصري في “قاموس اللتِّ والعَجْن” فروقًا بين الهَبْد والرَّزْع والهَرْي، ولا يَسلم خَبْطُه فيه من تكلُّفٍ، ولا مُشَاحَّة في الفَتْي؛ بَيْدَ أن الشيء كلما كبُرت حقيقته كثُرت ألقابه، وليس هو بالمُطَّرِد؛ لكنَّ الأحكام أغلبيةٌ، والإطلاق لا يفيد الاستغراق، وقد عزَّ خُلُوُّ موجودٍ من مهبودٍ، ومهبودٍ من موجودٍ؛ فإن المتكلم بالموجود ليس بمعصومٍ؛ كيف هو في زمانٍ لا أسهلَ فيه من الهَبْد! لكنْ مُقِلٌّ من المهبود في الموجود ومستكثرٌ، ولولا حظُّ المهبود من الموجود ما راج رَوَاجَه؛ فإن المهبود المَحْض لا يكاد يروج في الخَلق، وليس إنكار أُولي العلم على أُولي الهَبْد بأقلَّ من إنكار أُولي الهَبْد عليهم؛ بل الهبَّادون أكثر إنكارًا وأشد؛ ذلك بأنه لو قُسِمَت جُرأة الواحد منهم على أمةٍ من عالِمي الزمان المدهولين لوَسِعَتهم، واستأسد الهَبْد حين استنوق العلم؛ إلى الله نشكو عجز العالِمين وثقة الهابدين.