لا تَشُدَّ خيوط نفسك كلَّها إلى جهةٍ واحدةٍ غيرِ جهة الله؛ فإنك إن فعلت فزالت هذه الجهة عن مكانها قُطِعَت خيوطك كلُّها، وكان سقوطك يقينًا لا شك فيه.
ليس هذا حرفًا يقول لك: لا تتمنَّ من لذائذ النفس والجسد والدنيا شيئًا؛ بل ما كان مُتَمَنَّاك حلالًا، وكنت بأسبابه آخِذًا، وكان ربُّك الأكرم مقتدرًا؛ فتمنَّ ما تشاء.
إنما هو حرف أخٍ يحاذر عليك دمار مدمَّرين قبلك، ظلُّوا يشدُّون خيوط أنفسهم كلَّها -بوعي حينًا وبغيره أحيانًا- إلى أمورٍ محتمَلةٍ، فلما لم تكن لهم تُبِّروا تتبيرًا.
الدراسة، الشهادة، الوظيفة، المال، السفر، الزواج، الولد، العَربة، المشروع، أيُّ محبوبٍ من الأشياء والناس؛ تمنَّ من هؤلاء ما تشاء؛ فلربك الآخرة والأولى.
أمَّا أن تُفني قوة قلبك في التعلق بشيءٍ لا تعرف رُجْحانه ولا تضمن حُصوله؛ فاللهم لا، إنما هو قلبٌ واحدٌ، وليس بعد إفناء قوته شيءٌ ينهض فيك لشيءٍ.
ربُّك وحدَه المضمونة جهتُه المأمونة معاملتُه، والخلق كله متقلبٌ متغيرٌ؛ فلا تجعل شيئًا منه لآمالك المشتهى ولآلامك المنتهى؛ عوَّذتك بذي عرشٍ لا يزول.