عجبت لقليل الطاعات؛ كيف يفسدها

عجبت لقليل الطاعات؛ كيف يفسدها -وهي قليلةٌ- بالرياء!

الرياء خطيئةٌ غير معقولة المعنى؛ فإن العبد لم يُحْدِث الطاعة إلا بشرع الله وقدَره، لولاهما من لدنه ما كانت الطاعة منه؛ أفيَتوجه بما لم يكن إلا من ربه إلى من لم يكن منه فيها شيءٌ!

ثم إنه جهلٌ مضاعَفٌ؛ بصفات جمال الله وجلاله التي بها استحق توحيد القلوب بالقُصُود والألسنة بالأقوال والجوارح بالأعمال، وجهلٌ بما وعد الله على الإخلاص من حاقِّ الحظوة وأبديِّ الكرامة، وجهلٌ بما توعَّد على الإشراك من خزي الدنيا والآخرة والبرزخ بينهما، وجهلٌ بصفات المخلوقين الدائرة بين الجهل والعجز من الذين يقصدهم المُرائي بعمله، وقد يُجْهِد المسكين نفسه في ريائهم ثم لا يرون عمله أصلًا، أو لا يرونه كما حسَّنه وزاد فيه، أو يرونه -جزاءً من الله بنقيض قصده- على ضد هيئته، أو يرونه على هيئته -فتنةً من الله غيرَ ظالمٍ له- لكن يفوتهم الإعجاب به والثناء عليه، ثم إنهم إذا رأوه على ما يريد المُرائي كمالًا وأثنَوا عليه به تمامًا؛ ذهب كل ذلك بذهابهم، ولم يَبق له عند الله في الآجلة شيءٌ! فيالَلَّهِ الحسرةُ البالغةُ من فوات شكر الرب الذي لا شكور مثلُه في نوع شكره وكَمِّه وكيفِه! به الغوث.

ثم إنه ظلمٌ عظيمٌ؛ إذ يضع العبدُ الطاعة في غير موضعها؛ فإن الله -جلَّ ثناؤه- هو الذي هدى إلى الطاعة نظرًا، ويسَّرها عملًا، شارحًا بها الصدر، مريحًا لها القلب، مصلحًا بها البال، فإذا البائس -مع هذا كلِّه- يقصد بها غير وجه ربه الأعلى، وهو ظلمٌ للنفس كذلك؛ إذ يمنعها العبد بالرياء حظوظها من رُوح العبودية ورَوحها، ويَجرح بسِكِّين الرياء توحيدها، ويُضَيِّع عليها ثواب الآخرة الأبقى، ومن قبلُ ومن بعدُ ما يَلحق النفسَ بالرياء من الدُون والهُون في نفسها وعند مولاها علا وتعالى.

ثم إنه فقرٌ شديدٌ؛ فلولا إملاقُ نفس المُرائي وبؤسُها؛ ما غدا وراح يتسوَّل عبادًا محاويجَ معاويزَ لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضَرًّا، هذا، وإن من النفوس نفوسًا غنيةً بما أولاها الرحمن من الكمالات البشرية والإيمانية؛ لا ترجو من ضعيفٍ قوةً، ولا تَنشد من مفلسٍ غنًى، ولا تبتغي من معدومٍ وجودًا.

أيها القاصدون بأعمالهم وجوه الموتى؛ لو أن قلوبكم شهدت جمال الرب الحي؛ ما بَغَيتم عن وجهه الأكرم حِوَلًا.

أضف تعليق