بالذي قلبي بيده أحلف؛ إني لأحب إخواني حبًّا عجبًا.
أحِبَّتاه يا أنفاس نفسي؛ لوددت أني أَشْهَقَكم ثم لا أَزْفِرَكم.
ما حيلتي وأنا امرؤٌ أهوى الهوى ** أنا قدْ غنِيتُ عنِ الهوا بهواكمُ
لقد أدخلني الرحمن جنات إخواني صغيرًا، وقلَّبني في روضاتهم كبيرًا، شملوني بجمالهم وتَحْنانهم عنايةً ورعايةً، وأفسحتْ لي قلوبُهم موضعًا كريمًا، وبجَّحوني حتى بجِحَت إليَّ نفسي، فأنا بأنوالهم أوفى الناس بختًا وأرضاهم حظًّا؛ ربِّ بما أدخلتني جناتهم في الدنيا أمدًا؛ فخَلِّدني بينهم في فردوسك أبدًا، وبما سَقوا روحي من سلسبيل هواهم حُبورًا؛ فاسْقِهم من مِزاج الكافور والتسنيم طَهُورًا.
إني -وخبيرِ ذاتِ القلوب- لأجوع إلى أحبتي وأظمأ، ويضيق صدري بفراقهم ضِيقَ من لا يَبلغ من الهواء بلاغه، وما نزل بي بلاءٌ أفتكُ من عجزي عن وصالهم كما أشتهي، وإني لا أَعْدِل بالأُنس بهم -من الدنيا وما فيها- شيئًا؛ ربَّنا من فرَّق بيننا في الحياة الدنيا من أعدائك؛ فلا تنظر إليه -يوم القيامة- ولا تُكَلِّمه ولا تؤنسه؛ حتى تُغْرِقه في الوحشة -بإبعاده عنك وحرمانه منك- إغراقًا لا يفنى.
تشهد اللهم حنين قلبي إلى كل من صحبته في عِيشتي حنينًا شديدًا؛ بل إلى من عرفته في سبيلك بُرْهَةً من نهارٍ، ولقد نظرت ربي إلى شفاء علَّة قلبي هذه في الدنيا فلم أجده؛ إن ذَكَر القلبُ شُغلت الجوارح، وإن فرَغت الجوارح ضاقت الحال، وإن وَسِع مكانٌ لم يَسَع زمانٌ، ثم إن منهم موتى، ومنهم مهاجرون، ومنهم أسرى، ومنهم من لا أعرف عنه اليوم شيئًا؛ فاللهم بصَرًا وصبرًا يُعَزِّياني.
تعرفون أحبتي ما شفاء ذلك! جنات الخُلد الشفاء والبلسم والتِّرياق، وحدها لا شريك لها دواء هذا الوجع، الجنة شفاء الأرواح العليلة بتباريح الفراق، الجنة رواء الأفئدة الظامئة لِهَوًى لا مقطوعٍ ولا ممنوعٍ، الجنة غوث نفوسٍ وَلْهَانَةٍ لَهْفَانَةٍ تتعشَّق ظلالًا سرمديةً بمن تهوى، الجنة المشتهى والمنتهى؛ فاللهم اللهم.