قال ولدي باكيًا: لو كنت

قال ولدي باكيًا: لو كنت محبًّا لله ما بارزته بالقبائح كل حينٍ.

يا حبيبي؛ ما جوابي إياك بأحسن من جواب جَدِّك ابن رجبٍ الحنبلي رحمه الله: “ليس شرط المحب العصمة؛ إنما شرطه كلما زل أن يتلافى تلك الوصمة”.

قال: إنما يقال هذا لذي قلبٍ طاهرٍ؛ لا إِخَالُ قلبي إلا نجسًا.

يا حبيبي؛ أصغ إلى جَدِّك: “يا قوم؛ قلوبكم على أصل الطهارة، وإنما أصابها رشاشٌ من نجاسة الذنوب؛ فرُشُّوا عليها قليلًا من دمع العيون وقد طهُرت”.

قال: أنت أعجز عن تخايُل ما عليه نفسي؛ أنَّى يقبلني ربي!

يا حبيبي؛ مهما أسأت الظن بنفسك فأحسن الظن بالله، نحن لا نحسن الظن بالله أنه يغفر ويتوب ويهدي لاستحقاقنا هذا؛ إنما نحسن به الظن لأنه الله.

قال: زدني في هذه بيانًا؛ زادك الرب من كل خيرٍ يرحم به.

يا حبيبي؛ قد يليق بالنفس سوء الظن لقعودها عن معالي الأمور شغلًا بسَفْسَافِها؛ لكنه لا يليق بالرب مهما يكن من شيءٍ من الخلق؛ فإنه الذي هو الآن على ما عليه كان، وكما كان بصفاته أزليًّا كذلك لا يزال عليها أبديًّا، السُّبُّوح القدُّوس السلام المتكبر المتعالي العزيز الطيب الجميل الحميد النور البديع، وإن القدْر المشترك بين أسماء ربك الحسنى هذه؛ هو تنزُّهه -علا وتبارك- عن كل نقصٍ وعيبٍ في ذاته وصفاته وأفعاله؛ فظُن به ما ينبغي له من كمال كل تمامٍ وتمام كل كمالٍ في نعوت جماله وصفات جلاله، سبحانه وبحمده.

قال: حسُن كل ما لربي؛ لكن مثلي مستحقٌّ عدله لا فضله.

يا حبيبي؛ وأيُّنا يستحق فضل الله! إنما نحسن الظن برحمته وإن كنا مستحقين عدله بأنها سبقت غضبه، فالمُعَوَّل على الذي من الله لا على الذي منا.

يا حبيبي؛ لئن أدهشك أن مكان قول ربك: “إن رحمتي سبقت غضبي” فوق عرشه -وإن عرشه لَقُبَّة الملكوت- فليُدهشنك زمانُها الذي كتبها الله فيه أضعافًا مضاعفةً، إن الله كتبها قبل خلق الخلق، فكأن تقدير زمانها العُجاب ذلك يقول: قد سبقت رحمة الله منه غضبه من قبل حصول أسباب غضبه منكم. فلئن خوَّف قلبَك عدلُه -وحريٌّ أن تخاف وتخشى وتتقي وترهب- فقل له: يا قلب؛ أبشر بوَجَلِك من ربك، ليس بعد خوف الدنيا إلا أمان الآخرة، وعْد الله.

يا حبيبي؛ ألم تسَع رحمة الله كل شيءٍ! وهل أنت وكلُّ ما اقترفت من سوءٍ -مهما بلغ نوعُه وكَمُّه وكَيْفُه- غيرُ شيءٍ! فناجِ معبودك الأوحد بهذا، قل: اللهم إن حديثك الحقُّ لا ريب فيه أن رحمتك وسِعَت كل شيءٍ، وإني على جميع ما جنيت على نفسي بقلبي وقولي وعملي شيءٌ، وإني لا أدَع شيئًا أغضبتك به إلا اعترفت لك به واستغفرتك منه؛ فبحق قدرتك على كل شيءٍ اغفر لي كل شيءٍ ولا تسألني يوم ألقاك عن شيءٍ، وكذلك فافعل كلما عصيت بغير إصرارٍ.

قال ولدي راجيًا: عظَّمت رجائي في ربي؛ فلأعملن له أعمالًا.

أضف تعليق