شهيدٌ أنت يا مولاي حالي.

شهيدٌ أنت يا مولاي حالي.

عاجزٌ عن الكلام عجزي عن الصمت.

اليوم حطَّت رحالَها في أول منازل الآخرة أمُّنا.

أوَ مَن نُشِّئ في إجلالكِ يا خالة؛ كمن لم يُنَشَّأ! لا يستويان.

أمُّ الدعوة أمُّ يحيى، ما الخالة أمُّ يحيى! وما أدراكم ما الخالة أمُّ يحيى!

الشيخة الجليلة، البرَّة النادرة، السيدة الكاملة، العارفة العابدة، المحسنة الجوَّادة، ذات الفضائل والفواضل، الداعية إلى ربها، الصابرة على أنواع البلاء وألوان الشدائد وصنوف المِحَن، زوج شيخ الدعوة رفاعي سرور، أمُّ يحيى المفكر الأسير، وعمر المجاهد الشهيد، وياسر الداعية المطارَد، والأخوات النبيلات نفوسًا وأخلاقًا، حماة خالد حربي المناضل الأسير، جدة ولدنا عبد الله بن عمر الأسير، حماة زوج عمر المهاجرة المخطوفة وطفلَيها مهاجرةً في سبيل الله، صاحبة أمي.

فلو كل النساء كمثل هذي! كم سبق رجالًا إلى الله نسوةٌ! كم حقَّت بالصالحات القانتات الأُسوة! عسى الله أن يُنَعِّم روحكِ -يا خالة- بلُقيا أرواح آسية بنت مزاحمٍ، ومريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلدٍ، وفاطمة بنت محمدٍ، وعائشة بنت أبي بكرٍ؛ فإن سبيلكن واحدةٌ وإن تفاوتت الدرجات، وإن الرب إذا أعطى أدهش، وإذا رضي فما لنَوَاله حدٌّ ولا لحُلْوَانه منتهًى، ووعدُه غرباءَ آخر الزمان أوفى.

كم حدثتني والدتي من أخبار أختها الكبيرة في سبعينيات القرن الماضي! وكم قصَّ لنا الشيخ من ذلك قصصًا! فابسُط اللهم لي في إسلامي وقوَّتي ووقتي؛ لأبسط لعبادك ما عساه يثبت قدمي وأقدامهم على صراطك السَّوي.

ذي ليلتُك الأولى في جَدَثك الشريف حبيبتنا؛ فاملأه اللهم غفرانًا ورضوانًا ومِن كل ما بين الغفران والرضوان من رحمةٍ وبركاتٍ، واجعل بطانته نورًا يضيء لها إلى يوم البعث غير مقطوعٍ، وآنسِها بإيناسك الحق فلا تستوحش فيه أبدًا، واترك عليها في الآخرين بلسان صدْقٍ في عبادك المؤمنين، واجزها عن روائع الصبر وبدائع البذل بأحسن إحسانك في أحسن عبادك أنت أحسن المحسنين.

ما على الأرض أن تميد الليلة وقد زالت عنها من الشامخات راسيةٌ، وإنما أولياء الله حُفَّاظ الأرض، وليس السائر على الماء أو الطائر في الهواء بأولى من الصابرين على اللأواء في سبيل دين ذي الكبرياء؛ فعوِّض الأرضَ ربَّها.

تحسبون هذا الحرف في المرأة ذا إفراطٍ وغُلَوَاء! فهو -وحقِّ من لا يعلم أقدار عباده على الحقيقة إلا هو- حرفٌ قاصرٌ لا شافٍ ولا كافٍ ولا وافٍ، وعلى أرائكَ مرجوَّةٍ في فردوس ربنا الأعلى حديثٌ تامٌّ ذو شجونٍ يليق بها وينبغي لها، وعن أمثالها من المصطفَين الأخيار؛ فاجعله اللهم ربنا كذلك وأزكى من ذلك.

ألَسَنا شهداءك اللهم في خلقك! فنحن شهودٌ لأَمَتك بما أشهدتناه من متين الديانة ومكين المكارم؛ فاجعل جزاء حسناتها وسيئاتها مغفرتَك غَفَّارًا وعفوَك عَفُوًّا؛ فإن ذلك منك أجملُ الثواب وأجزلُه، واجمع بين روحها وبين روح زوجها وولدها ومن سبقها إليك من أهلٍ وأحبابٍ؛ سبحانك يا أحَنَّ الجامعين.

يا آل رفاعي سرور؛ ما كان محبٌّ لكم اليوم أولى بالتنافس في كرامة حمل النعش المطيَّب مني. حرَم الله الطواغيت رحمته كلها جزاءَ ما يحولون بيننا وبين هذي المفاخر، وجمعني بشاهدكم وغائبكم على مباهج الإسلام غير خزايا ولا مفتونين، ثم في مقعد صدْقٍ عنده مليكًا مقتدرًا، وأفرَغ على أفئدتكم فارغاتٍ صبرًا جميلًا. أنتم للصبر أهلٌ بمددٍ من الله، إن لم تمت والدتكم قبلكم متم أنتم قبلها، وانْصَبُوا فيما بقي لكم من برِّها، واعملوا لجنةٍ ترجونها خيرٍ مستقرًّا وأحسنَ مقيلًا. ما أفقر الشيخة إلى صالحاتكم وأغناها عن أحزانكم! واحتسبوا.

الحمد لله الحي القيوم، إنا له وإنا إليه راجعون، منه الجَبر وعليه العِوض.

أضف تعليق