بقي بيني وبين والدتي وإخوتي

بقي بيني وبين والدتي وإخوتي وسائر أهلي وأرحامي؛ أن أفتح هذه الصفحة -كل دهرٍ- فأكتب فيها فتطمئن قلوبهم المصدوعة أني حيٌّ أُرزق، لا أستطيع أن أزيدهم على هذا شيئًا من وسائل التواصل التي يتواصل بها الناس؛ لتكون بواطنهم -إذا خلُص الطغاة إليهم- كظواهرهم لا يعلمون عني حقيقةً شيئًا.

حُبست في عشر سنين قبل الثورة عشر مراتٍ جريمتي “لا إله إلا الله” اعتقادًا لها ودعوةً إليها، أستغفرك اللهم من تفريطي في حقها الأعز الأقدس، ثم أُخرجت من بيتي منذ ست سنين عِلمُها عند ربي في كتابٍ لا يَضل ربي ولا ينسى، ولم يزل أهلي يتحولون من بيتٍ إلى بيتٍ فرارًا من بطش البُعداء البُغضاء، سُجن بين ذلك شقيقان لي صغيران جنايتهما أخوَّتي ثم نجاهما الله لا شريك له، وإن بوالدتي الذي استُشهد زوجها -أبي تقبله الله ورحمه- منذ أربعين سنةً -ولم تزل بعده تؤذى في سبيل الله- من الأسقام ما يخبُر الله وحده، وقد تجاوزتُ الأربعين من عمري متصدِّقًا علي ربي ببعض أمراض الشعب المكلوم التي باتت عاديةً؛ (سكرٌ وضغطٌ وجلطةٌ مخيةٌ وتكهفٌ في العصب البصري وروماتيزم وغيرها).

حسبي عِلمُ ربي المحيطُ أني لا أشكو من هذا -ولو ضُوعف أرجو الرحمن معافاته- شيئًا؛ بل بك اللهم أحلف -عائذًا بجلالك أن أكون من الكاذبين- أني لا أعدُّه شيئًا، وإن دينك الأكبر ليستحق البلاء الذي هو البلاء لا هذا الذي ليس شيئًا؛ إنما أذكره لأمرين: أولهما بيني وبين الله مولاي، والآخر بيني وبينكم أحبتي.

فأما الذي بيني وبين الله؛ فدعائي ساعةَ الإجابة هذه من يوم الجمعة الأعظم من أيام التشريق المَهيبة على طواغيت مصر بعامةٍ؛ مبتدئًا بخُنثاهم مختتِمًا بآخر عسكري غلبان! يناول معبوده قلمًا وورقةً فحسْب، وعلى ضباط حلوان والشروق وأمنائهم وعساكرهم ومخبِريهم؛ أن سلِّط اللهم -شديدَ التنكيل ذا الانتقام الحق- عليهم واحدًا واحدًا أمراضًا لا يعرفون لها أسماءً ولا يرجون منها شفاءً، ثم صُبَّ على قلوبهم من مقْت أنفسهم ما به يلعنونها كل لحظةٍ فما دونها تملؤها بين ذلك رعبًا، ثم حرِّق عليهم وعلى أهليهم بيوتهم، فإن أنت لم تفعل بعض ذلك محمودًا بحكمتك مقدمًا مؤخرًا؛ فأضرم عليهم قبورهم نارًا تستقبل أجسادهم فتشوي لحومهم وعظامهم شيًّا، ثم افتح عليهم في ظلماتها أبواب جهنم حتى تُسْكنهم يوم لقائك -خزايا مرعوبين- قعرها الأسود، غيرَ راحمٍ فيهم مَغارِز الإبر خالدين فيها؛ عذابُك العذاب لا يشفي صدورنا فيهم سواه ولك المجد.

وأما الذي بيني وبينكم فتشاورٌ ما أفعل؛ في إبقائي صفحتي مفتوحةً مغانم ومغارم؛ فأما المغانم فبلاغ بعض دين الله بطريقها، وأول الدين “لا إله إلا الله”، وأول “لا إله إلا الله” النفي، وحق النفي وحقيقته واحدةٌ هي الكفر بكل وثنٍ يُعبد في الأرض من دون الله، وإن أول أوثان الزمان الطواغيت وفيهم البراء والعداء معتقَدًا ودعوةً وحِسبةً وكذا؛ ألا من جعل براءكم وعداءكم فيما بينكم (يقاتل سلفيُّكم أشعريَّكم وأشعريُّكم سلفيَّكم)؛ فهو أحطُّ شرِّ دوابِّ الأرض جميعًا، ثم هو دجالٌ مهما سمَّى الله ورسوله على دَجَله، ثمَّتَ هو نذلٌ لئيمٌ يرى جراح الإسلام وفيرةً غائرةً فينكؤها مزيدًا لا يبالي، ولو كرُم عليه الدين المسكين كرامة نفسه الخبيثة عليه؛ لعطف عليه بمَباضعه يداويه، أو بسكوته لا يخذله ولا يخزيه.

هذا بعض النفي الذي في “لا إله”، وأما الإثبات الذي في “إلا الله”؛ فما سُلب من عبادات القلوب والألسنة والجوارح عن الأوثان منا ومن الناس؛ فالسعي في صرفه إلى الله الأحد -وحده- عبادةً وتعبيدًا، ثم المغنم الثاني: وصْل أهلي وإياكم بما أستطيع من الكتابة هنا والترويح بنسائمكم هذه بين عنت الدنيا وعنائها.

وأما المغارم؛ فواحدةٌ: استفزاز الصفحة أولئك الملاعين بصادع الحق فيها الذي أحاول على قدْري ولا عذر لي في تركه ما بقيتْ في جوفي أنفاسي، أجِرني اللهم أن أزيغ عن هذا طرفة عينٍ بما أستحق من عقابك، وما يجرُّ من تنقيبهم خلف أهلي ظنًّا منهم أن أحدهم يدلُّ علي أو يُوصِّل إلي؛ أشيروا علي أحرزكم الله.

أضف تعليق