قدْ كانَ ما خِفتُ أنْ يكونا ** إنا إلى اللهِ راجعونا
لا إله إلا الله الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون.
“الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ”؛ رضينا.
مخلصين للإله الدعاء؛ ادعوه حبًّا وطمعًا لهذه المرأة؛ إن كنتم تحبونني كما أحبكم.
ماتت الحبيبة الغالية الطيبة الكريمة الصابرة على أنواع البلايا؛ زوجُ خالي الشيخ الأسير الكبير أبي إسلام أحمد عبد الله؛ رحمها الله، وأخرجه من السجن، ولطف بأهل بيت خالي شاهدهم والغائبين.
سُجن خالي فصبرت واحتسبت، وهاجر بعض أولادها فرارًا من الطاغوت فصبرت واحتسبت، ثم مرضت مرضًا طويلًا شديدًا فصبرت واحتسبت، ثم صعدت روحها اليوم إلى الله؛ فلا إله إلا الله.
كنت أحبها قريبًا من محبتي أمي، وكانت تحبني قريبًا من محبتها أبناءها، وكنت إذا كلمتها -قبل اشتداد أسقامها- دعوت لها وأثنيت على صبرها خيرًا، فتبَهج بالوداد والوصال وتثيبني بدعائها فأرضى.
عاجزةٌ أناملي عن رثائك -يا خالة- بما تستحقين فاغفري لي؛ لكن قلبي وربي مبينٌ مبينٌ، عسى أن يكون ما لك عند من توفاك خبيرًا بضعفك وافتقارك؛ أطيب وأوفى مما كان لك عندنا، اللهم اللهم.
ما أشقَّ البلوى على فؤادك في محبسك يا خالي! تالله لقد كان الذي بينكما من المودة والرحمة شيئًا عجبًا، كأني بك الساعة وقد انفطر كبدك، وكنت أشتهي أن تُعافى قبل موتها؛ لكن ربكما أرحم وأعلم.
اللهم هذه أمَتُك الكبيرة الفقيرة؛ قد أخرجتها من الدنيا في ثوبٍ من عطايا البلايا كسوتها به قبل لقائك سنين عددًا؛ فأدخلها اليوم أول منازل الآخرة في ثوبٍ من نسيج مغفرتك ورحمتك لا تَعْرَى بعده.
إنما الخاسرون الذين يخسرون أنفسهم وأهليهم يوم القيامة؛ فأما هنا فمن لم يمت قبلنا متنا قبله؛ واغوثاه رباه! اجمع بينها وبين زوجها وأحبابها في جوارك الأكرم حيث لا يحُول نعيمُك الحقُّ ولا يزول.
يا من لا تنفعه طاعة من أطاعه وإن جلَّت كما لا تضره معصية من عصاه وإن جمَّت؛ اقبل منها ما لا ينفعك وإن كان يسيرًا، واغفر لها ما لا يضرك وإن كان كثيرًا، إنا نحسن الظن برحمتك إحسانًا.
ربِّ إني أثق بلطفك ثقةً لا حدود لها؛ الطف بقلب خالي المسكين حيث اخترت له مكانه وزمانه حين يبلغه خبرُها، وأفرغ عليه صبرًا جميلًا، واجعل قدَر قبض روحها بسطًا في حريته فينجو قريبًا.
يا أهل بيت خالي شاهدهم وغائبهم؛ ما كان أحدٌ أولى مني بمشاركتكم المصابَ كله حتى ينقضي، هاتان يداي ترتفعان إلى الله بالدعاء لها وقد عجزتا عن حمل نعشها الكريم؛ اصبروا أحبتي واحتسبوا.
يا أشِقَّاء نفسي؛ لن ينفع والدتكم في برزخها طويل الحزن وشديده، لقد انقطع عملها إلا من ثلاثٍ هي أفقر ما تكون إليها حالًا؛ فاصرفوا أوجاعكم فيما يحطُّ عنها خطاياها ويصِلُها بخيرٍ مما انقطع عنها.
يا حبيبتنا؛ ربي يرى عَبراتي مسكوبةً على فراقك الأليم، ولو لم أكن بقضائه مؤمنًا وحكمته موقنًا لسخطت على غربةٍ حالت بيني وبين الوفاء لك في آخر عهدك هنا؛ لكن سأعمل صالحًا لألقاك هناك.