يا جِياع الحب؛ لا يَحملنَّ أحدَكم استبطاءُ الحب أن يتسوَّله من المُرابِين في المودَّات.
يُقرِضُك أحدُهم مودَّةً مِزاجُها الغَصْب، ما يريد إذا أعطاك من ظاهر معروفه في الصباح إلا استرقاقَ باطنك في المساء، أن يبيت قلبك له أسيرًا، وذلك “عطاء الدَّم”، لولا شدة هشاشتك لشهدت حُمْرَتَه.
إنما العطاء عطاء من لا يرى لنفسه عليك به حقًّا، وإن كان حقُّ من أخلص لك ودَّه خالصَ مودَّتك، أمَّا أن يبتغي ذو وصلٍ بوصله غيرَ ما برأ الله الحب لأجله من السكن والثقة والشهود والأمان؛ فتعسًا.
كان أول ما حكى شيخ المفسرين الطبري -رضي الله عنه- من أقوالٍ في قول الله -تباركت آياته-: “وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ”: “لا تُعْطِ يا محمد عطيةً؛ لتُعْطَى أكثر منها”. ولَعَمْرُ الله هذا فتحٌ في تأويلها مبينٌ.
قد كشف هذا الإلهام في تفسير هذه الآية المَجيدة؛ عن هذا النوع من العطاء في الناس؛ العطاء الذي ليس وراءه في نفس صاحبه طُهر المروءة ونظافة المرحمة؛ بل يعطيك حين يعطيك ابتغاءَ تكبيلك.
يبذل “مُرابي المودَّة” حبًّا كثيفًا في صُوره حتى لَيُخَيَّل إليك من بَهْرَجِه أنه حبٌّ صَدوقٌ؛ لكنه في حقيقته -حيث يشهد الله والبُصراء- حبٌّ زائفٌ، عُريانٌ من مادة الصدق التي لم يخلق الله الحب إلا منها ولا يُحييه إلا بها ولن يُخَلِّده إلا فيها؛ وأنَّى لقلبك في صَقيع الحياة أن يكتسي بعاري الحب ثوبًا دَفيئًا!