يقولون: إنه نبيل الصُّحبة، يَصحب

يقولون: إنه نبيل الصُّحبة، يَصحب إخوانه على ما غلب عليهم من الخير، من ثبتت أُخُوَّتُه بيقينٍ لم يفرِّط فيه بظنٍّ، يردُّ متشابه أفعالهم إلى مُحكَمها، لا يُحوِجهم إلى الإعراب عن مقاصدهم فيما يأتون إليه ويذَرون ثقةً بهم، يحسن الظن بهم على كل حالٍ لهم، يتَّكئ فيما ينكر من أعمالهم على رواسخ صدقهم وشوامخ إخلاصهم، يقول كلَّ رِيبةٍ منهم: لعل لهم أعذارًا؛ يحكون عنه هذا وزيادةً.

فإني أعلم واحدًا؛ الشر ليس إليه، والخير كله بيدَيه، قدُّوس الذات سُبُّوح الصفات متعالي الأفعال، عادتُه الرأفة والرحمة موصولتان بلا انقطاعٍ أبدًا، يداه مبسوطتان على من أحبَّ وكره بالخير الوفير، يتحبب إلى من وصله ببدائع اللطف وروائع الإحسان، ويُعرِّض من جفاه لمُتواتر آياته الكونية والشرعية ليَلحق بالموصولين، أجمع العارفون به على جماله، وأطْبَق معاملوه على تمام كماله؛ ذلكم الله.

إذا سُرَّ قلبُك بأخبار هذا العبد النبيل في مُخَالَقَة أصحابه؛ تفتَّت كبدُك بأنباء الذين يعاملون ذلك الربَّ الكريم؛ تصفه أفواههم بالعليم الذي لا يعزُب عنه من ظاهرهم ولا باطنهم شيءٌ في عاجل الأمر وآجله، وتسبِّح ألسنتهم بحكمته التي بها يقبض عنهم ويبسُط لهم خبيرًا بصيرًا؛ لكنه إذا امتحنهم ببعض الشدائد في بعض الحياة ساءت به ظنونهم، وكأن مبتلاهم ما عُوفي قطُّ؛ وقليلٌ من عباده الشَّكور.

لقد كنت أحفظ من وَدود الشعر صغيرًا ما يهتز له فؤادي كثيرًا، وأشتهي أن أكون شاعرَ هذا الشعر أو من شُعِرَ له؛ نحوَ قول القائل: فإنْ يكُنِ الفعلُ الذي ساءَ واحدًا ** فأفعالهُ اللائي سَرَرْنَ أُلوفُ، وكقول غيره: وإذا الحبيبُ أتى بذنبٍ واحدٍ ** جاءتْ محاسنهُ بألفِ شفيعِ؛ حتى سمعت الغايةَ في ذلك: ويقبُحُ منْ سِواكَ الفعلُ عندي ** وتفعلهُ فيَحسُنُ منكَ ذاكا؛ فعرفت حينئذٍ كيف القلب إذا رضي.

هذه ظنون مَن أحبَّ فيمن أحبَّ من آحاد الناس؛ ما اعتقادك أنت في ربِّ الناس ملك الناس إله الناس! وتلك حروف مَن غاية درايتهم بالناس صُورهم العارضة لا حقائقهم الدائمة؛ فما لَهَجُك أنت في ربِّك عليمًا بأسمائه الحُسنى خبيرًا بصفاته المُثلى! وذلك ثناء موتى مفتقرين على موتى مفتقرين أمثالِهم في توافه المِنَن؛ ما ثناؤك أنت على الحيِّ القيُّوم فيما لفَّك به من الأنعُم الباطنة والظاهرة لفًّا!

لقد كان حق هذا الإله أن يُمجَّد بما ظهر من حكمته وما بطن، وأن يُثنَى عليه بالذي هو أهله فيما عُلم سرُّه من مقاديره وجُهل، وأن يُحمد على كل حالٍ وحينٍ حمدَ الشاكرين لا حمدَ الصابرين، وأن يُردَّ ما تشابه من قدره وشرعه إلى ما أُحكِم منهما وكلٌّ حَسنٌ جميلٌ؛ ألا إنه أقل ما يستحقه ممن يعتقد جمالَه وجلالَه وكمالَه؛ لا أن يكون الظنُّ ببعض خلقه أطيبَ من الظن به؛ نستغفر الله ونعتذر.

أضف تعليق