لا يغيظ عقلَك -وباطنُ الحوادث أوفى من ظاهرها- مِثْلُ مُحَلِّلٍ! لا ثَبَتَ ولا نَبَتَ، ثم هو يجزم بما يَهْبِدُ جزمًا عجبًا؛ كأنما فُتح للمُلْهَم لوحُ الله المحفوظُ فهو يُملي منه على الجهلاء أمثالِنا بكرةً وأصيلًا!
أمَا إنه لو كان ذا تبصُّرٍ وتشرُّعٍ؛ لمَا ساغ منه القطعُ بما يدقِّق ويحقِّق؛ بل يتكلم -بعد تأسيسٍ وابتناءٍ- بغلبة الظن، وذلك حَسْبُه عند الله وأُولي النُّهى؛ فكيف بالسادة المُبْلِسين إفلاسًا المُفْلِسين إبلاسًا!
أمَّا الوُضَعاء وضَّاعو الأخبار (عُوَيْرٌ وكُسَيْرٌ وثالثٌ ليس فيه خيرٌ)؛ فعقوبتهم في الدنيا ما قارفوا من رجس الاختلاق؛ هو نفسُه جزاؤهم لا أخزى منه لو كانوا يشعرون، ثم يوم القيامة هم الكذابون.
يا أُولي الألباب؛ “لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ”؛ فهذا أولُ حوادث طبقكم الذي أركَبَتْكُمُوه مقاديرُ الله -اليومَ- لا آخرُها، عن طبقٍ مضى غلب سكونُ ظاهره هِياجَ باطنه، إلى طبقٍ يأتي ربُّكم بشأنه خبيرٌ.
ألا إني أوصيكم ونفسي بتقوى الله الذي له الحاكمية والحُكم، وأن تقوموا لدينكم بالولاء والبراء اللائقين بكبريائه، وبالاستيثاق فيما تقولون وما تنقلون، وأن تجاهدوا الطواغيت بما أقدَرَكم عليه الله.
لا يزال صاحبكم يُعَظِّم رجاء الربِّ أن يَحْسِرَ الأمرُ عن فرَجٍ لأسرانا؛ ذلك ملءُ محلِّ الطمع من النفس باطنًا، وتَرْدَادُ اللسانِ والبنانِ القولَ فيه ظاهرًا، لا ثقةً بشيءٍ؛ إلا رحمةً من الله وفضلًا كبيرًا.
قال قائلٌ: نقرأ لفلانٍ فيغلب رَغَبُنا رَهَبَنا، ثم نقرأ لفلانٍ فيهزم رَهَبُنا رَغَبَنا! قلت: لكليهما اقرأ ما كانا لعقلك أهلًا، واجتنب من حذَّرتك؛ أخا عَجَلٍ المُهَوِّلَ، وأخا دَجَلٍ المُمَخْرِقَ، وخير شأنك العمل.