#في_حياة_بيوت_المسلمين. قال الوالد: يا بني؛

#في_حياة_بيوت_المسلمين.

قال الوالد: يا بني؛ إذا جعلك الله -غدًا- والدًا؛ فإياك وظلم ولدك.

عجب الولد: أو يظلم والدٌ ولده وقد طبعه الله على رحمته؛ يا أبت؟!

قال الوالد: القاصدون ظلم أبنائهم قليلٌ، وهم في ظلمهم متفاوتون؛ من أمٍّ تشوِّه ولدها -إذ تعيِّره بنقائصه- مريضةً ممسوخةً، إلى أبٍ يهتك عرض ابنته شاذًّا خنزيرًا، وبين تلك وذاك أنواعٌ ودركاتٌ.

أما ما يقع من عامتهم -بغير وعيٍ به ولا قصدٍ له- فأكثر من أن يُحصى؛ أبٌ يفسد عيشة ولده إذ يريده شبهه في كل شيءٍ حتى النَّعل، وأبٌ يُكره ابنته على الزواج بمن لا ترضى ثقةً مطلقةً برأيه الفذِّ، وأبٌ يأمر ولده بتطليق امرأته -بغير سلطانٍ من الله- يحسب نفسه الفاروق رضي الله عنه، وأبٌ يهدد ولده بالغضب عليه -بمجرد مخالفته- وإن كان جاهلًا جائرًا، وأمٌّ تأبى إلا مشاركة ابنتها حياتها الزوجية جميعًا إلى تفاصيل الفراش، وأمٌّ تطغى في مال ولدها بغير حقٍّ إلا أنها أمه الواجب أن ينقاد لها، وأمٌّ تُحني ظهر ابنتها في خدمتها بما يخرج عن استطاعتها النفسية والحسية، وأمٌّ تدعو على ابنتها لأهون شيءٍ؛ كأن من تدعوه -سبحانه وتعالى- ليس على كل شيءٍ شهيدًا! عظُم كل ذلك عند الله ظلمًا.

قال الولد: قد كنت أحسب -قبل الساعة- أن طاعة الأبناء أباءهم؛ مطلقةٌ غير مقيدةٍ؛ يا أبت.

قال الوالد: بل فيها التفصيل بني؛ إن كان ما يأمر به الآباء عينَ ما أمر الله ورسوله به فله حكمه؛ الواجب واجبٌ والمستحب مستحبٌّ، وفعله حينئذٍ أعظم درجةً لعلوِّ مقام الآباء شرعًا وقدَرًا، وإن كان المأمور به من جنس ما يأمر الله ورسوله به -مما تُدرأ به مفاسد المعاش والمعاد، أو تُجلب به مصالحهما- فهو مشروعٌ، وإن كان شيئًا جائزًا ومستطاعًا للأبناء (نفسًا وحسًّا) فالطاعة فيه واجبةٌ، وإن كان شيئًا جائزًا (مع المشقة النفسية أو الحسية المحتملة) فالطاعة فيه مستحبةٌ، وإن كان شيئًا جائزًا (لكنه غير مستطاعٍ نفسًا أو حسًّا) فلا تجب فيه الطاعة بل تُكره، وإن كان شيئًا جائزًا (لكنه مضرٌّ للأبناء في أنفسهم أو أجسادهم أو أموالهم أو بيوتهم أو أعمالهم) فالطاعة فيه محرمةٌ، وإن كان شيئًا ممنوعًا بالشرع أو بالعُرف الصحيح فلا طاعة فيه، وعلى الولد التلطف بوالديه وإن خالفهما.

قال الولد: فما على الأبناء إذا نهاهم آباؤهم عن شيءٍ؛ يا أبت؟

قال الوالد: فيه التفصيل بني؛ إن كان ما ينهى عنه الآباء عينَ ما نهى الله ورسوله عنه فله حكمه؛ الحرام حرامٌ والمكروه مكروهٌ، وتركه حينئذٍ أعظم درجةً لعلوِّ مقام الآباء شرعًا وقدَرًا، وإن كان المنهي عنه من جنس ما ينهى الله ورسوله عنه -مما تُدرأ به مفاسد المعاش والمعاد، أو تُجلب به مصالحهما- فهو ممنوعٌ، وإن كان شيئًا جائزًا (وسهُل على الأبناء تركه) فالطاعة فيه واجبةٌ، وإن كان شيئًا جائزًا (وشقَّ على الأبناء تركه مشقةً محتملةً) فالطاعة فيه مستحبةٌ، وإن كان شيئًا جائزًا (لكن تركه مضرٌّ للأبناء في شيءٍ) فالطاعة فيه محرمةٌ، وإن كان شيئًا واجبًا فالطاعة فيه محرمةٌ، وإن كان شيئًا مستحبًّا (ولم يكن نهيهم عنه تعنتًا) فالطاعة فيه مشروعةٌ، وعلى الولد التلطف بوالديه وإن خالفهما.

قال الولد: أفرأيت -يا أبت- إن كان المأمور به أو المنهي عنه؛ مما اختُلف فيه؟

قال الوالد: إن كان ما يأمر به الآباء أبناءهم أو ينهوهم عنه محلَّ خلافٍ بين الفقهاء؛ ففيه التفصيل؛ ما اعتقد فيه الأبناء الوجوب أو الحرمة بطريقٍ صحيحةٍ (شروط المفتي والمستفتي)؛ فلا طاعة لآبائهم في خلافه، وما لم يكن كذلك فليسدِّدوا فيه وليقاربوا، وعلى الولد التلطف بوالديه وإن خالفهما.

قال الولد: قد كنت أظن علاقة الآباء بالأبناء علاقةً تعبديةً إنسانيةً سائلةً؛ يا أبت.

قال الوالد: رحمك الله بني؛ هي من وجهٍ كذلك، وأندى وأجمل من ذلك، ومن وجهٍ آخر “علاقةٌ حقوقيةٌ”؛ لكلٍّ منهم ما له وعليه ما عليه، وإن حقَّ الأبناء على آبائهم لهو الأسبقُ خلقًا وأمرًا.

قال الولد: رضي الله عنك يا أبت؛ قد جلَّ في نفسي حقُّ ولدي علي من قبل أن يهبنيه ربي؛ لكني أخشى -الآن- أن أفرِّط في حقك أنت؛ بعدما فصلت لي في أحكام طاعة الآباء ومعصيتهم.

قال الوالد: يا بني؛ هذا حرفٌ يُعظِّم برَّك بي -على رَشَدٍ وإحسانٍ- لو فقهت دقائقه، يا بني؛ إن برًّا مقتصدًا تنالني من قلبك حقيقته؛ أحبُّ إلي من برٍّ وافرٍ تتكلف جوارحُك صورتَه، وإن كل متكلَّفٍ إلى زوالٍ، يا بني؛ اتَّبع أحسن القول تكن عبدًا مهديًّا، يا بني؛ إن الذي أنزل الكتاب وضع الميزان.

أضف تعليق