إن ذنبًا ألان قلبك، وطيَّب لسانك، وأخضع جوارحك؛ لأرجى حسناتك عند الله.
إن للعبادة التي خلقك الله لأجلها صورةً هي امتثال الأمر واجتناب النهي، وحقيقةً هي ذل القلب وإخبات النفس، وقد يبلغ عبدٌ -بترك المأمور، واقتراف المحظور- من حقيقة العبادة؛ ما لا يبلغه بصورتها.
هذا حرفٌ لا يحضك على المعاصي قبلها؛ لكنْ يدرك نفسك من القنوط بعدها.
إن العبد إذا أذنب فأعقب ذنبه توبةً؛ صار ذنبه قدرًا مقدورًا يتأمل في جوانبه حكمة الله؛ يقول: أذنبت فخشع قلبي وانقادت أركاني، أذنبت فذهب كبري وانقشع غروري، أذنبت ففهمت من أسماء الله وصفاته ما فهمت، أذنبت فوعيت من سنن الله ما وعيت، أذنبت ففقهت من أسرار الخلق والأمر ما فقهت، أذنبت فعرفت من نفسي ما عرفت، أذنبت فأشفقت على الخلق ما أشفقت، أذنبت فكرَّه الله إلي من عصيانه ما كرَّه، أذنبت فحبَّب الله إلي من رضوانه ما حبَّب، أذنبت فبعُد عني من الدنيا ما بعُد، أذنبت فدنا إلي من الآخرة ما دنا، أذنبت فأشهد الله قلبي من أنواع عبودياته ما أشهد، أذنبت فبصَّر الله عقلي من حِكَم شرائعه ما بصَّر، أذنبت فعُلِّمت من طرائق النفوذ إلى النفوس ما عُلِّمت، أذنبت فازددت لربي في قدره وشرعه تسليمًا، أذنبت فعاديت الجاهلية والشيطان وجنودهما، أذنبت فأحببت الله.
تلك والله “حسنات السيئات”، حُظوظ من عصى الله فعقل أمره؛ قد أفلح التوابون.