#في_حياة_بيوت_المسلمين. “اللهم إني أُحرِّج حقَّ

#في_حياة_بيوت_المسلمين.

“اللهم إني أُحرِّج حقَّ الضعيفين؛ اليتيم والمرأة”؛ جعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بنفسه الحرج على من ظلم اليتيم والمرأة في الدنيا والآخرة، وتأمل -رحمك الله- كيف عطف المرأة على اليتيم!

إن اليتيم والمرأة لتجمعُهما حقيقة الافتقار إلى السَّند والظَّهير، وإن جمْع نبي الله بينهما لبالغٌ غاية الكفاية بعلَّتهما ودوائها، وإن من أوسع بركات مقادير الرحمن في نفسي أني نشأت يتيمًا وفي حجر أمي، فأشهدني -سبحانه- معاني حاجتي ووالدتي جميعًا إلى عواصم السَّند والظَّهير، وصرت بهذا القضاء الجميل من ربي أبًا لعامة أصدقائي الصغار، وإن لم أكن أبًا لأحدٍ حقيقةً، وبلَّغني مولاي -له الحمد وعليه الثناء- في الشعور بالأرامل والثكالى مبلغًا حسنًا، بقي أن أستعينه -تعالى- على حقه.

اللهم ربنا املأنا بمحاويج خلقك رأفةً ورحمةً، واجعلنا عكاكيز يدَّعمون عليها في مُدْلَهِمَّاتِ الحياة.

#في_حياة_بيوت_المسلمين. قال الوالد: يا بني؛

#في_حياة_بيوت_المسلمين.

قال الوالد: يا بني؛ إذا جعلك الله -غدًا- والدًا؛ فإياك وظلم ولدك.

عجب الولد: أو يظلم والدٌ ولده وقد طبعه الله على رحمته؛ يا أبت؟!

قال الوالد: القاصدون ظلم أبنائهم قليلٌ، وهم في ظلمهم متفاوتون؛ من أمٍّ تشوِّه ولدها -إذ تعيِّره بنقائصه- مريضةً ممسوخةً، إلى أبٍ يهتك عرض ابنته شاذًّا خنزيرًا، وبين تلك وذاك أنواعٌ ودركاتٌ.

أما ما يقع من عامتهم -بغير وعيٍ به ولا قصدٍ له- فأكثر من أن يُحصى؛ أبٌ يفسد عيشة ولده إذ يريده شبهه في كل شيءٍ حتى النَّعل، وأبٌ يُكره ابنته على الزواج بمن لا ترضى ثقةً مطلقةً برأيه الفذِّ، وأبٌ يأمر ولده بتطليق امرأته -بغير سلطانٍ من الله- يحسب نفسه الفاروق رضي الله عنه، وأبٌ يهدد ولده بالغضب عليه -بمجرد مخالفته- وإن كان جاهلًا جائرًا، وأمٌّ تأبى إلا مشاركة ابنتها حياتها الزوجية جميعًا إلى تفاصيل الفراش، وأمٌّ تطغى في مال ولدها بغير حقٍّ إلا أنها أمه الواجب أن ينقاد لها، وأمٌّ تُحني ظهر ابنتها في خدمتها بما يخرج عن استطاعتها النفسية والحسية، وأمٌّ تدعو على ابنتها لأهون شيءٍ؛ كأن من تدعوه -سبحانه وتعالى- ليس على كل شيءٍ شهيدًا! عظُم كل ذلك عند الله ظلمًا.

قال الولد: قد كنت أحسب -قبل الساعة- أن طاعة الأبناء أباءهم؛ مطلقةٌ غير مقيدةٍ؛ يا أبت.

قال الوالد: بل فيها التفصيل بني؛ إن كان ما يأمر به الآباء عينَ ما أمر الله ورسوله به فله حكمه؛ الواجب واجبٌ والمستحب مستحبٌّ، وفعله حينئذٍ أعظم درجةً لعلوِّ مقام الآباء شرعًا وقدَرًا، وإن كان المأمور به من جنس ما يأمر الله ورسوله به -مما تُدرأ به مفاسد المعاش والمعاد، أو تُجلب به مصالحهما- فهو مشروعٌ، وإن كان شيئًا جائزًا ومستطاعًا للأبناء (نفسًا وحسًّا) فالطاعة فيه واجبةٌ، وإن كان شيئًا جائزًا (مع المشقة النفسية أو الحسية المحتملة) فالطاعة فيه مستحبةٌ، وإن كان شيئًا جائزًا (لكنه غير مستطاعٍ نفسًا أو حسًّا) فلا تجب فيه الطاعة بل تُكره، وإن كان شيئًا جائزًا (لكنه مضرٌّ للأبناء في أنفسهم أو أجسادهم أو أموالهم أو بيوتهم أو أعمالهم) فالطاعة فيه محرمةٌ، وإن كان شيئًا ممنوعًا بالشرع أو بالعُرف الصحيح فلا طاعة فيه، وعلى الولد التلطف بوالديه وإن خالفهما.

قال الولد: فما على الأبناء إذا نهاهم آباؤهم عن شيءٍ؛ يا أبت؟

قال الوالد: فيه التفصيل بني؛ إن كان ما ينهى عنه الآباء عينَ ما نهى الله ورسوله عنه فله حكمه؛ الحرام حرامٌ والمكروه مكروهٌ، وتركه حينئذٍ أعظم درجةً لعلوِّ مقام الآباء شرعًا وقدَرًا، وإن كان المنهي عنه من جنس ما ينهى الله ورسوله عنه -مما تُدرأ به مفاسد المعاش والمعاد، أو تُجلب به مصالحهما- فهو ممنوعٌ، وإن كان شيئًا جائزًا (وسهُل على الأبناء تركه) فالطاعة فيه واجبةٌ، وإن كان شيئًا جائزًا (وشقَّ على الأبناء تركه مشقةً محتملةً) فالطاعة فيه مستحبةٌ، وإن كان شيئًا جائزًا (لكن تركه مضرٌّ للأبناء في شيءٍ) فالطاعة فيه محرمةٌ، وإن كان شيئًا واجبًا فالطاعة فيه محرمةٌ، وإن كان شيئًا مستحبًّا (ولم يكن نهيهم عنه تعنتًا) فالطاعة فيه مشروعةٌ، وعلى الولد التلطف بوالديه وإن خالفهما.

قال الولد: أفرأيت -يا أبت- إن كان المأمور به أو المنهي عنه؛ مما اختُلف فيه؟

قال الوالد: إن كان ما يأمر به الآباء أبناءهم أو ينهوهم عنه محلَّ خلافٍ بين الفقهاء؛ ففيه التفصيل؛ ما اعتقد فيه الأبناء الوجوب أو الحرمة بطريقٍ صحيحةٍ (شروط المفتي والمستفتي)؛ فلا طاعة لآبائهم في خلافه، وما لم يكن كذلك فليسدِّدوا فيه وليقاربوا، وعلى الولد التلطف بوالديه وإن خالفهما.

قال الولد: قد كنت أظن علاقة الآباء بالأبناء علاقةً تعبديةً إنسانيةً سائلةً؛ يا أبت.

قال الوالد: رحمك الله بني؛ هي من وجهٍ كذلك، وأندى وأجمل من ذلك، ومن وجهٍ آخر “علاقةٌ حقوقيةٌ”؛ لكلٍّ منهم ما له وعليه ما عليه، وإن حقَّ الأبناء على آبائهم لهو الأسبقُ خلقًا وأمرًا.

قال الولد: رضي الله عنك يا أبت؛ قد جلَّ في نفسي حقُّ ولدي علي من قبل أن يهبنيه ربي؛ لكني أخشى -الآن- أن أفرِّط في حقك أنت؛ بعدما فصلت لي في أحكام طاعة الآباء ومعصيتهم.

قال الوالد: يا بني؛ هذا حرفٌ يُعظِّم برَّك بي -على رَشَدٍ وإحسانٍ- لو فقهت دقائقه، يا بني؛ إن برًّا مقتصدًا تنالني من قلبك حقيقته؛ أحبُّ إلي من برٍّ وافرٍ تتكلف جوارحُك صورتَه، وإن كل متكلَّفٍ إلى زوالٍ، يا بني؛ اتَّبع أحسن القول تكن عبدًا مهديًّا، يا بني؛ إن الذي أنزل الكتاب وضع الميزان.

أقسموا بالله -كفارًا به- جَهَدَ

أقسموا بالله -كفارًا به- جَهَدَ أيمانهم ليُكَفِّروننا بالثورة وعملوا لذلك أعمالًا، وأقسمنا بالله -مخلصين له الدين- سنظل بها موقنين وإن قصُرت بنا أعمالنا، الثورة فعلٌ من أفعال الله الكلية الجامعة في الأرض، الثورة ظهورٌ بيِّنٌ لصفات جلال الله وجماله وتجلٍّ حقٌّ لسنةٍ من سننه في الخلق، الثورة غايةٌ لما قبلها ووسيلةٌ إلى ما بعدها، الثورة بدايةٌ، الثورة قدرٌ إذا أراده الله هيأ له أسبابه طوبى لمن جعله الله فيها سببًا، الثورة بوابة الجهاد، الثورة إلهاب الوعي الجامد وبعث الفعل الخامد، الثورة كابوس الطغاة، الثورة شهادة البشر على بقاء حياتهم وصحة عقولهم واستقامة نفوسهم وأنهم لم يُخسف بهم كما يشاء الطواغيت، الثورة عقيدة الأحرار الصحيحة وإن حرَّف الساقطون، الثورة شِرْعَة الإسلام الصريحة وإن خرَّف المبدلون، الثورة عبادةٌ إذا قصد بها رجالها وجه الله وقَفَوا في خطواتها آثار الرسول، الثورة حقيقةٌ من حقائق الدَّفع في الأرض وصورةٌ من صور الحكمة في الناس، الثورة محاولة اقترابٍ بشريةٍ كماليةٍ من هيئة الكون الربانية الجمالية، الثورة أمانةٌ؛ خاب الخائفون وتعس المعوِّقون وقُتل الخائنون.

يعتب علي بعض إخواني -حفظ

يعتب علي بعض إخواني -حفظ الله أرواحهم في محابِّه والعافية- ضعف اعتنائي بتعليقاتهم البرَّة الودودة، تلك الأحرف الراضية الجوَّادة التي يحسنون بها إلي ويتعطفون بها علي؛ ولو علم الأحبة -حشد الله كل خيرٍ بأبوابهم- ما أخوهم الصغير فيه من ضيق الحال وكثرة الترحال؛ لأفسحوا لعذري في رحابة أفئدتهم موضعًا رفيقًا يليق بهم رُؤفاءَ رُحماءَ، وعند الرحمن ثواب الصفح والمغفرة.

لا أشكو الله خير الراحمين إلى أحدٍ من خلقه وهو ساتري وجابري، لك الحمد اللهم على ما أحطتني به من أنعُمك الباطنة والظاهرة؛ حتى لَأعتقد أني أوفى خلقك منك إحسانًا، وأستعينك على شكرك.

من 3 يوليو 2013 إلى منتصف 2014 الأصل مبيتي في بيتي، والاستثناء خروجي منه إذا خشيت ضررًا، من منتصف 2014 إلى منتصف 2015 الأصل مبيتي خارج بيتي، والاستثناء مبيتي فيه إذا عدمت مكانًا، ليلة السادس عشر من يونيو 2015 هجم البعداء البغضاء على بيتي لاعتقالي، فلما لم يجدوني قبضوا على أخوين من إخوتي بدلًا مني، ثم شاء سريع الفضل -تبارك لطفه- معافاتهم ونجاتهم من قريبٍ، ولم أرجع إلى بيتي وأهلي -بعد هذا- أربعة أشهرٍ وعشرًا، ثم انتقلت الأسرة بعد ضرر الفراق الشديد -من وجوهٍ كثيرةٍ- إلى مدينةٍ أخرى وجمعني بهم مولاي خير الواصلين، وبقيت بينهم إلى 11 مارس 2018 ما خلا يومين أو ثلاثةً كل أسبوعٍ، وهو تاريخ القبض على خالي الثاني بعد اعتقالهم خالي الكبير قبله بخمس سنواتٍ؛ الأستاذ الشيخ الكريم أبي إسلام أحمد عبد الله فرَّج الله عنه وثبَّته وسلَّمه، ثم قبضوا على زوج أختي الصغرى ونفرٍ من أصحابي ليدلوهم علي، وكنت قطعتهم مدةً قبل ذلك لئلا يُحمَّلوا من أمري ما لا يطيقون، وعذبهم المجرمون عذابًا شديدًا عذبهم الله في الدنيا والآخرة، وتركت بيتي وأهلي إلى هذه الساعة، مع أمراضٍ جسديةٍ قديمةٍ وحديثةٍ يعلمها الله نوعًا وكيفًا سبحانه وبحمده، لا قرار لي ليلتين اثنتين، وأنتقل بحقيبتي -فيها كل ما أملك- من موضعٍ إلى موضعٍ، ناعمًا بالحياة غير بائسٍ؛ الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، إياه أعبد وإياه أستعين.

لقد يحسب الأحبة أني أحسب نفسي في أهل البلاء، فالله المحيط بما أُبطن وأُظهر يعلم أني ما توهمت ذلك ساعةً من نهارٍ، بل أنا عبدٌ تغمرني آلاء الله عن يميني وعن شمالي ومن فوقي ومن تحتي ومن أمامي ومن خلفي، وإنما البلاء في الدنيا بلاء أسيرٍ في زنزانةٍ ضيقها الطغاة عليه؛ إن بسط فيها رجله ثنى رقبته، وإن بسط فيها رقبته ثنى رجله، والبلاء في الدين بلاء عبدٍ هان على سيده مولاه، فوكله إلى شهوته أو هواه، وذو الأدب الحميد مع الله لا يأسى على ما فاته من الدنيا؛ تارةً يقول: ربما أرهقني ما أشتهي من حطامها طغيانًا وكفرًا، وتارةً يقول: عسى ربي أن يبدلني خيرًا منه زكاةً وأقرب رُحمًا، بك اللهم أعوذ من شكواك إلى أحدٍ، إنما أبث -يا رحمن- بثًّا، ولقد أتانا أن رسولك -صليتَ عليه وسلمتَ- قال يومًا: “وارأساه”؛ أبوء لك بنعمتك وأبوء بذنبي، فاغفر لي يا إلهي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.

لست -بحمد الله والثناء عليه- أجنبيًّا عن هذا النوع من المقادير، قد استُشهد أبي -تقبله الله- منذ أربعين سنةً هجريةً وأنا طفلٌ في المهد؛ في حوادث ما قبل مقتل السادات، وقُتل عمي -رحمه الله وعفا عنه- بعد الثورة بشهرٍ، وقُبض عليَّ في عشر سنواتٍ عشر مراتٍ، مع من سُجن من أخوالي وأعمامي وسواهم من أرحامي؛ “نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَآءُ”؛ غفر الله ما ستر، وتجاوز عن خطايانا الكثيرة، ووقانا الفتن ظاهرةً وباطنةً، واستعملنا في مراضيه الحِسان، وثبتنا على صراطه المستقيم.

“عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبًا، فقلت: لا يا رب؛ ولكن أشبع يومًا وأجوع يومًا، فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت حمدتك وشكرتك”؛ أحلف بربك العظيم سيدي نبيَّ الله الكريم؛ أني ما وعيت قولك الشريف هذا إلا بعد تصدُّق الله علي بهذا القضاء الجميل، لا أني جعت كما جعت أنت حبيبي عليك الصلاة والسلام، بل أنا الشبعان الريَّان الملآن من مواهب المنان، وما كان عطاء ربي -طرفة عينٍ فما دونها- محظورًا، لكن هو معنى تقلُّب الأيام بأقدار العزيز الحكيم، وأن ربي -جلَّ ثناؤه- “كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍٍ”، وأن الحياة الدنيا لا تساوي نقل الأقدام إليها؛ فكيف يُركض خلفها؟! وأن العبد يكفيه من متاعها النزر اليسير، وأن الغِنى ليس عن كثرة العرَض، لكنْ غِنى النفس.

يا أيها الذي آخيتهم على الإسلام والمرحمة والندى؛ ناشدتكم الله لا تعرضوا علي -بعد قراءتكم حرفي هذا- شيئًا من مالٍ ولا رأيًا في مسكنٍ ولا فكرةً عن سفرٍ، لكن ابسطوا لي في ثلاثٍ بسط الرحمن لكم بأطيبها وأوفاها؛ دعاءٍ بالمغفرة والهدى والثبات كدعائكم الله لأبنائكم، وعفوٍ نبيلٍ عني كلما أبطأت عنكم في تعليقٍ أو محادثةٍ، وأن تذكروني إذا فقدتموني -عياذًا بالعزيز- بـ”لا إله إلا الله” رحمًا بيننا.

سوى لذات الإيمان بالله والإحسان إلى خلقه؛ لا تصفو في الدنيا كلها لذةٌ واحدةٌ؛ لكل مغنمٍ مغرمٌ، المأكل والمشرب والمنكح والملبس والمسكن والمركب وسائر اللذائذ؛ ما صفا من وجهٍ كدِر من وجهٍ آخر، من عرف هذا لم يضق بالحياة ذرعًا، وطاب له التنعم فيها على قدرها؛ فلم يبخس أطايبها أشياءها، ولم يرجُ منها ما لم يكتبه الله لها، ومن جهله أو تجاهله فمسكينٌ؛ ألمه في لذته، وشِقوته في سعادته، وإنما كمال اللذات وتمام التمتع بها في دار السلام؛ تلك التي صان الله نعيمها عن الزوال، وسلَّمه من الكدر؛ وكيف يزول وداره دار الخلود؟! وكيف يكدِر وهو ترفيه الطيب الودود؟! اللهم ربنا اكتبنا في أهلها، واجمعنا في روضاتها، ما عندنا شيءٌ من أسبابها إلا رحمتك، وأننا مؤمنون بك وحدك لا شريك لك.

صفات الله وآياته وسننه؛ ثلاثٌ فتح الله لي في تأملها فتحًا أستوهبه الحمد عليها ما أبقاني، ومعادن الرجال وما كشف ربي لي منها -نفيسِها وخسيسِها- منةٌ من لدنه أخرى، وما كرَّه -علا وتعالى- إلي شيئًا من الدنيا إلا حبَّبني في مثله من الجنة، وكنت أحسب قبل هذا القدر أني بآلام أُولي البلايا وافيَ الشعور، فعلمت أني لم أزل بساحل هذا الخُلق لم أخض بحرَه بعد، وأن علي أن أُضاعف الإحساس بكل وجعٍ لكل أحدٍ من الخلق وصلني الله به، وإن كان بهيمةً عجماء، مع ما أظهر الله لي من نفسي قوةً وضعفًا وأطوارًا بينهما، وما أشهدنيه من معاني العبودية التي خلقني لأجلها وكنت عنها من الغافلين؛ بالله يا حمزة من أرضى منك عيشًا؟! إلا عبدًا حظي من الله علمًا وعملًا؛ اللهمَّ رضاك والجنة.

فائدةٌ عظيمةٌ؛ لقيام الكيانات والأمم

فائدةٌ عظيمةٌ؛ لقيام الكيانات والأمم والدول وبقائها جملتان من الأسباب؛ جملة أسباب دينية وجملة أسباب كونيةٍ، جملة الأسباب الدينية سالبةٌ وموجبةٌ؛ السالبة الكفُّ عن مساخط الله العقدية والعملية، والموجبة فعلُ مراضي الله العقدية والعملية، وجملة الأسباب الكونية نظريةٌ وعمليةٌ؛ النظرية الوعي والمعرفة والبحث والخبرة، والعملية حسن التدبير وإقامة العدل وموافقة السنن والأخلاق الحسنة.

من أخذ من الكيانات والأمم والدول بالجملتين جميعًا؛ كان أشدَّ قيامًا وأطول بقاءً، ومن فرَّط في جملة الأسباب الدينية وأخذ بجملة الأسباب الكونية؛ لم يظلمه الله ولم يهضمه، ووفَّى له -بسننه في الخلق التي لا تتبدل ولا تتحول- وأبقاه ما شاء، ومن تأمل هذا النظر السديد من العقل الفريد لسيدنا عمرو بن العاص -رضي الله عنه- فقِه هذه الحقيقة فقهًا تامًّا، ثم لينظر بنظره في العالمين ليزداد يقينًا.

كان المستورد القرشي عند عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- يومًا، فقال المستورد: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم -يقول: “تقوم الساعة والروم أكثر الناس”، فقال له عمرو: أبصر ما تقول، قال المستورد: أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عمرو: لئن قلتَ ذلك؛ إن فيهم لخصالًا أربعًا؛ إنهم لأحلمُ الناس عند فتنةٍ، وأسرعُهم إفاقةً بعد مصيبةٍ، وأوشكُهم كرَّة بعد فرَّةٍ، وخيرُهم لمسكينٍ ويتيمٍ وضعيفٍ، وخامسةٌ حسنةٌ جميلةٌ؛ وأمنعُهم من ظلم الملوك. رواه مسلمٌ رحمه الله.

لقد تعجب عمرو بن العاص -وهو من هو في العالمين فطنةً وذكاءً- من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تقوم الساعة والروم أكثر الناس”! إن الروم قومٌ كافرون، وإن حقيقة الكفر -إذا فكَّكته ربانيًّا وإنسانيًّا وماديًّا- من أعظم أسباب السقوط والانهيار؛ كيف يحفظ الله للروم هذا البقاء العظيم في الأرض؛ مع تفريطهم التام في جملة الأسباب الدينية بتحقُّقهم بالكفر رأسًا؟! ثم فكَّر عمرو وقدَّر، ودقَّق وتبصَّر، فوجد أنهم لا يبلغون ذلك إلا بأخذهم جملة أسباب القيام والبقاء الأخرى؛ جملة الأسباب الكونية.

“إنهم لأحلمُ الناس عند فتنةٍ”؛ اليوم تأخذ الفتنُ الدينية والسياسية والاقتصادية دولَ الكفر الكبرى، فيجدُّون في بحثها أفرادًا ومؤسساتٍ جدًّا عجبًا، وهذا لعَمَر الحق شاهدٌ لهذه الخصلة عظيمٌ.

“وأسرعُهم إفاقةً بعد مصيبةٍ، وأوشكُهم كرَّة بعد فرَّةٍ”؛ نظرةٌ عَجْلى إلى دولٍ خرجت من الحروب العالمية مدحورةً، فرتبت أوراقها ونظمت صفوفها؛ تغنيك عن كل بيانٍ لهاتين الخصلتين.

“وخيرُهم لمسكينٍ ويتيمٍ وضعيفٍ”؛ يكون هذا في بعض الكفار، أو في بعض أحوالهم، لبعض الغايات الإنسانية الدنيوية والمادية؛ لكنه متى كان لم يبخسهم الله فوائدَه وعوائدَه؛ “مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ”.

“وخامسةٌ حسنةٌ جميلةٌ؛ وأمنعُهم من ظلم الملوك”؛ تأملٌ يسيرٌ لثورات الشعوب الكافرة على أنواعٍ من الظلم الواقع عليهم؛ كافيك في شرح هذه الخصلة الشريفة وما يُجري الله بها، سنةً لا تتبدل، ثم انظر -نظر الله إليك- كيف أفردها عمرو بن العاص -رضي الله عنه- بالذكر، وكيف نعتها بالحسن والجمال؛ لتعجب من المسافة بين نظر سادة المسلمين الأولين، وبين نظر مخابيل الإسلاميين المتأخرين!

يا حبيبي؛ كن وسطًا بين طرفين في المسألة لتفقه هذه الفائدة؛ طرفٍ يهذي بأسخف نكتةٍ عصريةٍ؛ “وجدت إسلامًا بلا مسلمين”، وطرفٍ يجرِّد الكافرين من كل خصلةٍ طيبةٍ، وابتغ بينهما سبيلًا.

منشورٌ خاصٌّ بالسادة المتدبرين كلامَ

منشورٌ خاصٌّ بالسادة المتدبرين كلامَ الله.

“قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ”.

في هذه الآية من الترغيب مثلُ ما فيها من الترهيب؛ فأما الترغيب فإن الله -علا وتعالى- بعدما ذكر من جنايات المشركين -في الأنفال- ما ذكر؛ عقَّب بهذه الرحمة العظيمة، وتأمل الآيات قبلها لتشهد.

“ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ”.

“قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ”.

“إِنَّ شَرَّ الدَّوَآبِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ”.

“وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ ۖ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُم مُّعْرِضُونَ”.

“وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ”.

“وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَٰذَآ ۙ إِنْ هَٰذَآ إِلَّآ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ”.

“وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَآءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ”.

“وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوآ أَوْلِيَآءَهُ”.

“وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَآءً وَتَصْدِيَةً”.

“إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ”.

سبحان الغني عن العالمين! لو لم يكن الله عليًّا كبيرًا؛ ما عرَض عليهم رحمته وبواسطة نبيه -صلى الله عليه وسلم- وقد حكى عنهم من دواهي الكفر ما حكى، وسعت رحمة ربنا وهو الغفور الودود.

وأما الترهيب في الآية؛ فإنه من لم تسعه هذه الرحمة العجيبة -يوم القيامة- من المسلمين فدخل النار؛ فهو الشقي حقًّا، إذ لا تبلغ جنايات مسلمٍ -مهما جلَّت وجمَّت- جنايات المشركين التي سلفت، فإذا لم يتعرَّض لرحمة الله بالتوبة من آثامه وقد عرَّفه الله بها هكذا؛ فلا أبأس منه عبدًا، اللهم سلِّم سلِّم.

الذين نحبهم نحب لهم العافية

الذين نحبهم نحب لهم العافية لأنها خيرٌ لهم في أجسادهم ومعاشهم، والذين يحبهم الله يحب لهم البلاء لأنه خيرٌ لقلوبهم ومعادهم، حياة الأجساد في معافاتها وحياة القلوب في ابتلائها، العافية تستخرج فجور النفوس والبلاء يستخرج تقواها، الأجساد إلى زوالٍ والقلوب إلى بقاءٍ؛ ينظر الله في الدنيا إلى قلوب عباده لا إلى أجسادهم، وتنفعهم سلامة قلوبهم يوم القيامة ولا يضرهم عطب أجسادهم، العافية تحبِّب إليك الدنيا وتزينها في قلبك، والبلاء يكرِّهها إليك ويقرِّبك من الآخرة؛ الآن يتجلى لك سرٌّ من حديث رسولك صلى الله عليه وسلم: “إن عِظَم الجزاء مع عِظَم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم”.

يا وليَّ الله؛ سل الله العافية في كل ناحيةٍ منك، تلك عبادةٌ ألزَمَكَها الله ورسوله، لا تؤثر البلاء على العافية باطنًا ولا ظاهرًا، وتعوذ بالله منه دقيقِه وجليلِه، وإياك والتعرُّض له بكلمة فما فوقها جريئًا على الله، واعلم أن لله في العافية عقائد وعباداتٍ وأخلاقًا هي أشقُّ عليك وأعجبُ عنده، إن الذين يحسنون العبادة في العافية أرفع درجاتٍ عند الله وأولئك هم السابقون، لكنه حرفٌ يفقِّهك بالله والنفس والحياة والخلق والقيامة؛ جعلنا الله عبادًا له في السراء والضراء، واستخرج منا في كلٍّ ما يحب ويرضى.

ليتَ للإسلامِ بَابَا ** كتواضروسْ

ليتَ للإسلامِ بَابَا ** كتواضروسْ أوْ شنودهْ

إنْ يكنْ لمْ تَلْفَ كلبًا ** دائسًا يومًا حدودهْ

تقول الأسطورة: إن السيسي مُبِيرٌ طاغوتٌ، لكنَّ شيخ الأزهر سُو كيوت.

ألا إن كل ما يملأ البلاد من أنواع الكفر والضلال والظلم والفساد؛ في ميزان شيخ الأزهر وسائر عمائم الرجز كهان الطاغوت، سواءٌ فيها ما قارفوه بأنفسهم وما أيدوه فيه وما خرسوا عنه، قانونَ الله.

هاتوا لنا من دين خير الفاصلين ما يبيح لشيخ الأزهر ما اقترف البارحة قولًا وعملًا من مساخط الله وما جنى قبلها كثيرًا، لقد أعجب؛ إذا احتجنا إلى بيان حقيقة القوم للناس وهم غرقى في جناياتهم؛ ما نفعل للآتين بعدنا؟! تالله إن مصابنا جَلَلٌ، على من يعتذرون عنه لأي علةٍ من الحق ما يستحقون.

يقولون: بينه وبين الطاغوت خلافٌ شديدٌ يُظهره حديثه كل حينٍ، ما لنا ولهذا “البزرميط” كان أو لم يكن؟! يقولون: عقولكم ضيقةٌ لا تقرؤون ما وراء الأحداث، لا وسَّع الله عقولنا وحفظ علينا أمِّيتنا السياسية فلا نشبهكم في تدليلٍ ولا تعليلٍ ولا تفصيلٍ حتى نلقى الله، “يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ”.

أيها المبهورون بتعمُّقات المحللين الباردين؛ ليس كل من يغوص في الأعماق -اليوم- يرجع بالياقوت والمرجان، عامة الغائصين -اليوم- يرجعون بالكوسة والبتنجان، ووالله إن الحق لجليٌّ للعِميان.

وإن تعجب فعجبٌ من يلعن برهامي وشيعته، ثم يبرر لشيخ الأزهر وعصبته! هقهق! “لا تمشِ في الأرض، ولا تطِر في السماء، ولا تقف معلق الرجلين في الهواء، كن هكذا، كيف؟ بلا كيفية، حاور بلا محاورة، واصرخ بغير حنجرة، وارسم محيط الدائرة بالمسطرة”، وكله بالدهلكة، ودقي يا مزيكا.

الشريعة منحَّاةٌ محاربةٌ، ودماءٌ وافرةٌ بريئةٌ تسفك كل يومٍ، وأعراضٌ تنتهك، وألوفٌ قابعون في ظلمات السجون، وملايين الناس تُقصد بالإفقار والإمراض، ويساق إلى جهنم كل ساعةٍ زمرٌ منهم بتغييب الإسلام وطمس أخلاقه، وجُمَلٌ من الإفساد في الأرض لا يعلمها إلا الله، والكهان شهودٌ مؤيدون.

أمَا والله لشابٌّ شهيدٌ أو سجينٌ قال للطغيان: لا؛ أشرفُ من ملء الأرض من عمائم الخزي السوداء في عين الله والذين آمنوا به، أولئك الذين “يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ”.

رضي الله عن سادة السلف الذين صدعوا بالحق في وجوه من كانوا أمراء للمؤمنين ولم يخشوا في الله لومة لائمٍ، منهم يومئذٍ من قُتل ومنهم من سُجن ومنهم من نُفي ومنهم من أُلزم بيته، أولئك آباؤنا الذين نعرف، أما كهان الطواغيت فقومٌ منكرون، سود الله وجوههم يوم الصاخة في عبيده الكذابين.

يا عباد الله؛ لا يفتننكم عن معاقد الحق الذي تعلمون بفطركم وعقائده التي علمكم الله ورسوله؛ كثرة الساقطين المبدلين، هذا الله يقول الحق فاستمعوا له وأنصتوا: “وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ”، ويقول: “لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَآئِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ”.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ألا لا يمنعنَّ أحدَكم رهبةُ الناس أن يقول بحقٍّ إذا رآه الناس أو شهده، فإنه لا يقرِّب من أجلٍ ولا يباعد من رزقٍ؛ أن يقول بحقٍّ أو يُذكِّر بعظيمٍ”، وقال -بأبي هو وأمي-: “لا يحقرنَّ أحدُكم نفسه”، قالوا: يا رسول الله؛ كيف يحقر أحدنا نفسه؟ قال: “يرى أمرًا لله عليه فيه مقالٌ، ثم لا يقول فيه، فيقول الله -عز وجل- له يوم القيامة: ما منعك أن تقول فيَّ كذا وكذا ؟ فيقول: خشية الناس، فيقول الله: فإياي كنتَ أَحقَّ أن تخشى”؛ اللهم لك الحمد على منة رسولك وهُداه.

“قُلْنَا يَا نَار كُونِي بَرْدًا

“قُلْنَا يَا نَار كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ”.

يا أولياء السادة الأسرى؛ هلموا إلى مواساةٍ عن ربكم.

ألم تروا إلى ربكم لو شاء أن يطفئ النار بمطرٍ من السماء فعل؟ لكنه شاء أن يُلقى خليله -صلى الله عليه- في النار، ثم أفقد النار أعظم خصائصها “الإحراق”، بل قلبها إلى ضدها “البرد والسلام”.

كذلك لو شاء الرحمن أن يخرج أسراكم؛ فعل على كل شيءٍ قديرًا، لكنه مقتدرٌ أن يُفقد السجون خصائصها “فقد الاختيار والوحشة والضيق والغربة”، وأن يقلبها إلى أضدادها كمالًا تمامًا.

ربنا فاقلب ما أسرانا فيه من “فقد الاختيار”؛ إطلاقًا لإراداتهم فيما تحب وترضى من عبادات القلوب والعقول والجوارح، واقلب ما هم فيه من “الوحشة” إلى أنسٍ بذكرك وتدبر كتابك والسجود لك، واقلب ما هم فيه من “الضيق” سعةً في أرواحهم تجول في آياتك المَتْلُوَّة والمَجْلُوَّة، واقلب ما هم فيه من “الغربة” ودًّا وقربًا وتراحمًا فيما بينهم، حتى تنجِّيهم أجمعين قريبًا غير بعيدٍ، لا نصير إلا أنت.

يا أولياء السادة الأسرى؛ لا تستدلوا بظاهر بلاء أسراكم على باطنه، في البلاء من العافية مثل الذي في العافية من البلاء، كم في القبض من بسطٍ وكم في المنع من عطاءٍ! تبارك الله لطيفًا رؤوفًا.

يا أولياء السادة الأسرى؛ إذا عرَجت أفئدة أسراكم إلى سماوات الله؛ لم يضرَّهم مع سعتها ضيق المحابس، ولم يسؤهم مع مصابيحها عتمات الزنازين، وإذا أصابهم وحيُها مدرارًا؛ أحيا الله بروحه أرواحهم، وسلكه ينابيع في نفوسهم، بيد الله مقاليد باطنهم وظاهرهم وهو على إسعادهم وكيلٌ.

إلى كل نصرانيٍّ له علينا

إلى كل نصرانيٍّ له علينا حق البر والقسط؛ جعل الله هذه القصيدة بركةً على عقلك وقلبك.

أعُبَّادَ المسيحِ لنا سؤالٌ ** نريدُ جوابهُ ممنْ وعاهُ

إذا ماتَ الإلهُ بصنعِ قومٍ ** أماتوهُ فهلْ هذا إلهُ

وهلْ أرضاهُ ما نالوهُ منهُ ** فبُشراهمْ إذا نالوا رضاهُ

وإنْ سخطَ الذي فعلوهُ فيهِ ** فقوَّتهمْ إذًا أوْهَتْ قُواهُ

وهلْ بقيَ الوجودُ بلا إلهٍ ** سميعٍ يستجيبُ لمنْ دعاهُ

وهلْ خلَتِ الطِّباقُ السبعُ لمَّا ** ثوى تحتَ الترابِ وقدْ علاهُ

وهلْ خلَتِ العوالمُ منْ إلهٍ ** يدبرها وقدْ سُمِرَتْ يداهُ

وكيفَ تخلَّتِ الأملاكُ عنهُ ** بنصرهمُ وقدْ سمعوا بكاهُ

وكيفَ أطاقتِ الخشباتُ حملَ الـ ** إلهِ الحقِّ مشدودًا قفاهُ

وكيفَ دنا الحديدُ إليهِ حتى ** يخالطهُ ويَلحقهُ أذاهُ

وكيفَ تمكنتْ أيدي عِداهُ ** وطالتْ حيثُ قدْ صفعوا قفاهُ

وهلْ عادَ المسيحُ إلى حياةٍ ** أمِ المُحيي لهُ ربٌّ سواهُ

ويا عجبًا لقبرٍ ضمَّ ربًّا ** وأعجبُ منهُ بطنٌ قدْ حواهُ

أقامَ هناكَ تسعًا منْ شهورٍ ** لدى الظلماتِ منْ حيضٍ غِذاهُ

وشقَّ الفرْجَ مولودًا صغيرًا ** ضعيفًا فاتحًا للثدي فاهُ

ويأكلُ ثمَّ يشربُ ثمَّ يأتي ** بلازمِ ذاكَ هلْ هذا إلهُ

تعالى اللهِ عنْ إفكِ النصارى ** سيُسألُ كلُّهمْ عما افتراهُ

أعُبَّادَ الصليبِ لأيِّ معنىً ** يُعَظَّمُ أو يُقَبَّحُ منْ رماهُ

وهلْ تقضي العقولُ بغيرِ كسرٍ ** وإحراقٍ لهُ ولمنْ بغاهُ

إذا ركبَ الإلهُ عليهِ كَرهًا ** وقدْ شُدَّتْ لتسميرٍ يداهُ

فذاكَ المركبُ الملعونُ حقًّا ** فدُسْهُ لا تبُسْهُ إذْ تراهُ

يُهانُ عليهِ ربُّ الخلقِ طُرًّا ** وتعبدهُ فإنكَ مِنْ عِداهُ

فإنْ عظمتهُ منْ أجلِ أنْ قدْ ** حوى ربَّ العبادِ وقدْ علاهُ

وقدْ فُقدَ الصليبُ فقدْ رأينا ** لهُ شكلًا تذكرنا سَناهُ

فهلَّا للقبورِ سجدتَ طُرًّا ** لضمِّ القبرِ ربكَ في حشاهُ

فيا عبدَ المسيحِ أفقْ فهذا ** بدايتهُ وهذا منتهاهُ

رضي الله عن ابن القيم وعن الصادقين في رحمة الكفار، وسوَّد الله وجوه الكاذبين الفاتنين.