وسائلةٍ أزالَ الصبحَ ليلُ ** فقدْ طالعتُ نجمًا فيهِ لأْلأْ
فقلتُ لها رويدًا ذاكَ ثغرٌ ** إذا أرغى العدوُّ يقولُ هأْهأْ
إنْ حازمُ إلا عبدٌ أعجبت بدائعُه أولياءَه؛ فأغاظ الله به أعداءَه.
أطلق الله جوانحك في رضاه، وجوارحك في فَضاه، ورضَّاك بقدره وقضاه.
هذه الجليلة البرَّة السمحة الماجدة آسيا محمود؛ والدتي.
وهذا حرف ضراعةٍ إلى وجه رب العالمين فيها؛ أتملق بأندائه رضاءها.
بارك الله على أمهاتنا مسلماتٍ طيباتٍ، وغفر لنا فيهنَّ فارطَ الورَطاتِ، وشرفنا ببرهنَّ طول الحياةِ، ومتعهنَّ -في الدارين- بأنعم البركاتِ.
أستفتحه بما استفتح به سيدي ابن تيمية -قدَّس الله روحه- دعاءه لوالدته -في رسالته إليها من سجنه- قال:
أقرَّ الله عينكِ بنعمه، وأسبغ عليكِ جزيل كرمه، وجعلكِ من خير عباده وخدمه.
رحم الله ابن تيمية وأمه جميعًا، وأحسن إليهما -في جواره- صنيعًا.
أمي: حرس الله مهجتكِ، وبارك قوتكِ، وجبر كسرتكِ، وأقال عثرتكِ، وغفر زلتكِ، وقبل توبتكِ، ورحم ذلتكِ، وكفَّر خطيئتكِ، وواسى غربتكِ، وكثَّر قلتكِ، ورفع درجتكِ، وسدد رميتكِ، وأغاث فاقتكِ، وروى غُلتكِ، وشفى علتكِ، وسد جوعتكِ، وأجاب دعوتكِ، وأحسن ميتتكِ.
أمي: رزقكِ الله من النعمة أحضرها، ومن العِيشة أخضرها، ومن البهجة أنضرها.
أمي: حفظ الله روحكِ، ووكَل السلامة بنفسكِ، وعَصَبَ كل خيرٍ بحالكِ، وحشد كل نعمةٍ ببابكِ.
أمي: زوَّدكِ الله العافية في مسيركِ، وأنالكِ السلامة عند مصيركِ.
أمي: شغلكِ الله بمبتغاك عملًا أسنى؛ حتى يُظفركِ بمشتهاكِ خاتمةَ حسنى.
أمي: ستركِ الله بستره الجميل الذي لا تزيله الرياح، وأظلكِ بظله الظليل الذي لا تخرقه الرماح.
أمي: وهبكِ الله اليقين الذي لا تسكن النفوس -في الدنيا- إلا إليه، ولا تُعَوِّل -في الآخرة- إلا عليه.
أمي: لا قطع الله عوائد إحسانه عنكِ، ولا سلب رواسخ توحيده منكِ.
أمي: لا ودعكِ الله ولا قلى، وجعل آخرتكِ خيرًا لك من الأولى.
أمي: شرح الله صدركِ، ووضع عنكِ وزركِ؛ الذي أنقض ظهركِ، ورفع لكِ ذكركِ.
أمي: تقبل الله روائع خلائقكِ في زراعتنا، وبدائع طرائقكِ في صناعتنا.
أمي: رضي الله منكِ وافيَ لطفكِ، وشكر لكِ حانيَ عطفكِ.
أمي: كبَّر الله ما بكِ من راحةٍ وعافيةٍ، وصغَّر ما بكِ من نصبٍ وبلاءٍ.
أمي: أعانكِ الله على ما له أوجدكِ، وبالصالحات الزاكيات -أبدًا- أسعدكِ.
أمي: جعل الله سريرتكِ كعلانيتكِ بل أحلى، وباطنكِ كظاهركِ بل أجلى، وهِمَّتكِ عند الثريا بل أعلى، وجعلكِ لنيل حنانه وجنانه ورضوانه أهلًا.
أمي: وهبكِ الله عطاءه، ولا كشف عنكِ غطاءه.
أمي: أعاذكِ الله من الفاجر وجدواه، ومن الغريم وعدواه، ومن الخائن وبلواه.
أمي: ألهمكِ الله أشكر ذكر أوليائه، وأوزعكِ أذكر شكر أصفيائه، على جميع أنعمه وعطائه.
أمي: أنعشكِ الله بجميل الرضا، وجبركِ عند نوازل القضا.
أمي: وهبكِ الله إنابة المتوكلين عليه، وتوكل المنيبين إليه، ومحبة الراضين به، ورضا المحبين له.
أمي: جعلكِ الله بمراضيه مشغوفةً، وعن مغاضبه مصروفةً.
أمي: أسجد الله قلبكِ لعظمته، وأسهر روحكِ في خدمته، وكنتِ في خير بريَّته.
أمي: نوَّر الله -بنوره- قلبكِ، ووجهكِ، ودربكِ، وقبركِ، وصراطكِ.
أمي: جعل الله حبكِ إياه ذائدًا عن عصيانه، وشوقكِ إليه قائدًا إلى رضوانه.
أمي: أعدَّكِ الله لولايته فلا ترومين بدلًا، وخلَّصكِ لمحبته فلا تبغين حِولًا.
أمي: كفاكِ الله -من الأولى- حوادثها وفجائعها ونوائبها، وفي الأخرى كوارثها وقوارعها ومصائبها.
أمي: رعاكِ الله في ظليل كلئه، وذكركِ في جليل ملئه.
أمي: وفقكِ الله إلى معاليه وسددكِ، ودلَّكِ على عواليه وأرشدكِ، وأطلق في مراضيه لسانكِ ويدكِ، وجعل أهنأ من يومكِ -في كلٍّ- غدَكِ.
أمي: جرَّدكِ الله له تجريدًا، وعبَّدكِ له تعبيدًا، وملأكِ له توحيدًا.
أمي: لا أخلاكِ الله من ثناءٍ صادقٍ باقٍ، ودعاءٍ صالحٍ واقٍ.
أمي: بصَّركِ الله في الآن؛ بما بصَّر به سواكِ في مديد الزمان.
أمي: تصدق الله عليكِ بخير الشهادة، وبلغكِ الحسنى وزيادةً.
أمي: أعزكِ الله -في الدنيا- بشريف الذل إليه، وكرَّمكِ بعفوه قبل دخولكِ عليه.
أمي: جذبكِ الله إليه رفيقًا، وشدَّكِ إليه وثيقًا، وسلك بكِ إليه طريقًا.
أمي: أدرجكِ الله فيمن زادهم -في الدنيا- إيمانًا إلى إيمانهم، وجعل نورهم -في الآخرة- ساعيًا بين أيديهم وبأيمانهم.
أمي: صان الله وجهكِ ببركة اليسار، ولا بدَّل وجهكِ بمحق الإقتار.
أمي: حشركِ الله إليه مع المتقين وفدًا، وجعل كوثر نبيه لكِ وِردًا.
أمي: جعل الله كل عملكِ لوجهه الأعلى خالصًا، ولثوابه الأحلى قانصًا.
أمي: قرَّب الله لكِ ما بعُد من كل خيرٍ، وأقصى عنكِ ما قرُب من كل شرٍّ.
أمي: جعلكِ الله من أليم العتاب -يوم الحساب- من الآمنات، ولجزيل الثواب -عند المآب- من الضامنات؛ حتى ترقي -في الغرفات- مراقي الراضيات.
أمي: يسر الله لكِ -من خيري دنياكِ وأخراكِ- ما عسُر، وقرَّب إليكِ -منهما- ما بعُد، وفتح عليكِ -منهما- ما أغلق، وجمع عندكِ -منهما- ما تفرق.
أمي: برَّكِ الله وسرَّكِ، وصانكِ وزانكِ، وأولاكِ وتولاكِ.
أمي: عزَّ -بالمؤمنين- رأسُكِ، وقَوِيَ -في الكافرين- بأسُكِ.
أمي: والى الله بكِ -في ذلةٍ- وليه، وعادى بكِ -في عزةٍ- عدوه.
أمي: أطلقكِ الله من قيود الذنوب، وجرَّدكِ من لُبسة العيوب، ولطف بكِ في جميع الكروب، وثبت قلبكِ يوم تزيغ القلوب.
أمي: رزقكِ الله عملًا بارًّا، ورزقًا دارًّا، وعيشًا قارًّا.
أمي: عافاكِ الله من الوحل والزحل، وسلمكِ من كل رهقٍ ووهقٍ.
أمي: غفر الله لكِ رمزات الألحاظ، وتجاوز لكِ عن سقطات الألفاظ.
أمي: عصمكِ الله من حورٍ بعد كورٍ، ومن شكٍّ بعد يقينٍ، ومن كفرٍ بعد إسلامٍ.
أمي: أعاذكِ الله -في الدنيا- من أوكس النصيبين، وبلغكِ -عنده- أرفع الدرجتين.
أمي: وفقكِ الله للتي هي أتقى، واستعملكِ فيما هو أرقى، وسلك بكِ جادَّته الأنقى؛ حتى يتوفاكِ على العروة الوثقى.
أمي: وقاكِ الله شر مريضٍ، وسوء بغيضٍ، وشنآن حاسدٍ، ونكران جاحدٍ.
أمي: جعلكِ الله ممن تذكر فذكَّر، وتبصر فبصَّر، واتعظ فوعظ، وتيقظ فأيقظ.
أمي: تجاوز الله عن فرطاتكِ يوم التناد، وستركِ على رؤوس الأشهاد.
أمي: أدرككِ الله -بشافع عصمته- عن الغفلة عن ذكره، ووفقكِ -بواسع رحمته- لأداء حق شكره.
أمي: محا الله -عن قلبكِ- ما خلا محبته، وما عدا إجلاله، وما حاشا ذكره.
أمي: أقصى الله أجلكِ، وجوَّد عملكِ، وتغمد زللكِ، وشفى عللكِ، وحقق أملكِ.
أمي: سرَّكِ الله سرور من أُعطي -في الدنيا- مُناه، وأُوتي -في الآخرة- كتابه بيُمناه، وأمِن -في برزخٍ بينهما- ما يُخشى من عقاب الله.
أمي: أنعم الله حالكِ، وأصلح بالكِ، ورعى عيالكِ، وأحسن مآلكِ.
أمي: أعاذكِ الله من وساوس الشيطان ومكائده، وشباك غروره ومصائده.
أمي: أعاذكِ الله بكلماته التامة، ورحمته العامة؛ من كل ما يكْلُم الدين، ويثْلُم اليقين، أو يعود -في العاقبة- بالندم، أو يقدح في الإيمان المسُوط باللحم والدم.
أمي: جعل الله كتابه وسيلةً لكِ إلى منازل الكرامة، وسُلَّمًا ترقين به إلى نُعمى السلامة، ووقاكِ به -يوم التغابن- الخزي والندامة.
أمي: خلَّص الله لوجهه جوانحكِ، وأوقف على رضوانه جوارحكِ؛ حتى تحبي ما أحب لا تحبين سواه، وتكرهي ما كره لا تكرهين عداه.
أمي: زحزحكِ الله عن النار الحامية، ونحَّاكِ عن ورطة الهاوية، ومنحكِ العيشة الراضية، وأسكنكِ الغرف العالية.
أمي: جمَّل الله قلبكِ بما يعجبه؛ كلما نظر إليه.
أمي: أدهشكِ الله -يوم تلقينه- بمغفرةٍ تحوط ذنبكِ أجمع.
أمي: أطعم الله بكِ جوعانًا، وروى بكِ ظمآنًا، وأغاث بكِ لهفانًا، وسكَّن بكِ ولهانًا، وهدى بكِ حيرانًا، وستر بكِ عريانًا، وآنس بكِ وحشانًا.
أمي: كلمكِ الله يوم لايكلم الظالمين، وبشركِ يوم لا بشرى للمجرمين.
أمي: قسم الله لعقلكِ -من هداه- ما تفهمين به عنه، ولقلبكِ -من تقواه- ما تخشين بها منه، ولا خذلكِ -فيما أنعم بهما- حنانًا من لدنه.
أمي: وهبكِ الله -من الصبر- أجمله، ومن الرضا أطوله، ومن التسليم أكمله، ومن اليقين أفضله، ومن كل خيرٍ -في الدنيا والآخرة- أسبغه وأرسله.
أمي: استعملكِ الله في أكرم ما استعمل فيه من أحب.
أمي: أحسن الله إليكِ -دنيا وآخرة وبرزخًا بينهما- بأحسن الإحسان.
أمي: نسأ الله لكِ في البقاء، وأعقبكِ تتابع السراء، وصرف عنكِ حوادث اللأواء، وتولاكِ في غِير القضاء، وأحسن لكِ العاقبة والجزاء.
أمي: آمنكِ الله -في روضه- من فزعٍ، وآساكِ رسوله -على حوضه- من وجعٍ.
أمي: شكر الله لكِ كل خيرٍ أنلتِينيه، وإخوتي، والناس؛ شكرًا، وذكَركِ به -يوم افتقاركِ إلى ذكره- ذكرًا، وجبركِ به -يوم تنكسر قلوب الخاطئة- جبرًا.
أمي: أسأل الله لكِ من كل خيرٍ سأله عبده ورسوله محمدٌ، صلى الله عليه وسلم، وأعوذ لكِ به من كل شرٍّ استعاذه منه عبده ورسوله محمدٌ، صلى الله عليه وسلم، كمالًا تمامًا.
أمي: جزاكِ الله عنا خير ما جزى به والدةً عن بنيها، وأجملَ وأجزلَ.
ربنا واغفر لي ولإخوتي كل سوءٍ كان إليها، وأقبل -ببرنا- ما أبقيتنا عليها، حتى نَعْرُجَ بعنايتنا إلى عوالي قدميها.
ربنا وهبْ أبي كل خيرٍ رجوتكَه لأمي وتقبل منه الشهادة، واجمع بيننا -عندك- على كافة مشاهد السعادة؛ حتى ترينا وجهك.. تلك الحسنى والزيادة.
ثم أقول -حتى تذهب النفس والأنفاس- ما علَّمَنَاهُ ربُّ الناس ملكُ الناس إلهُ الناس: رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا.
“وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ”.
“وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ”.
“وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ”.
هذا النور الذي تمشي به في الأرض طائفةٌ من أهل السماء؛ قوتٌ من أقوات ألوهية نور السماوات والأرض، يأخذ أحدُهم بأسبابه على قدر عبوديته، ويَقسم الله له منه على قدر ربوبيته.
مستودعُه في الأرض المساجد، لذلك جاء قوله تعالى: “فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ”، بعد قوله تبارك: “اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ”.
وافتقار العبد إليه في نفسه وفي عبادته وبين الناس؛ افتقارٌ شديدٌ.
في نفسه سكونًا وحركةً، وفي عبادته باطنًا وظاهرًا، وفي الناس قبضًا وبسطًا.
لا يكشف عنه مثل دعاء الذهاب إلى المسجد، الذي علَّمَناه نورُنا صلى الله عليه وسلم.
في الصحيحين وغيرهما بألفاظٍ كثيرةٍ جليلةٍ: “اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي لساني نورًا، وفي بصري نورًا، وفي سمعي نورًا، ومن فوقي نورًا، ومن تحتي نورًا، وعن يميني نورًا، وعن شمالي نورًا، ومن بين يديَّ نورًا، وفي عصبي نورًا، وفي لحمي نورًا، وفي دمي نورًا، وفي شعري نورًا، وفي بشري نورًا، واجعل في نفسي نورًا، وأعظم لي نورًا”.
هذا الدعاء إذا استجيب لصاحبه؛ أشرق في الأرض بنور ربه.
نورٌ في قلبه وجوارحه، ونورٌ بينه وحوله، نورٌ في كل شيءٍ له، حتى اللحم.
ولو أن العبد عُلِّم أن يقول: “اللهم اجعل في قلبي نورًا” لا يزيد عليها؛ لكان كافيًا وافيًا، فإن القلب هو المَلك والمَعين، وإذا تمكن النور منه؛ فاض ضرورةً عنه.
لكنه أحوج في نفسه وفي عبادته وبين الناس؛ إلى سؤال هذا النور على هذا النحو كل يومٍ خمس مراتٍ؛ ليشمله باطنًا وظاهرًا، وليحوطه من كل جانبٍ.
حتى إنه ليخرج بدعائه من مستودع النور، “والصلاة نورٌ”، وبما تلا فيه من آيات النور؛ وبما يُعرَّف فيه بربه النور، وبما يُحدَّث فيه عن رسوله النور، وبما يُفَقَّه فيه من دينه النور؛ يخرج قطعةً من النور الخالص المبين، تفيض آثارها عليه طيبةً زاكيةً، في نفسه ومع الله وبين الناس.
هذه الآثار لا يُحصى كمُّها ولا يُستقصى كيفُها، لكنَّ أعظمها على الإطلاق هو الحكمة.
تلك الحكمة مجتمَع كمالات نور الله فيه؛ وهي التي لا يستغني العبد عنها على حالٍ.
فإذا آتاه الله إياها؛ فعَل ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، في الوقت الذي ينبغي.
فإذا التوفيق في قصده وقوله وتركه وعمله، والسداد على فقره وغناه وغضبه ورضاه، والرَّشد في معاملة الخلق جميعًا، إلا لَمَامًا بشريًّا.
وإذا كان العلم نورًا كما قال الله، وعدم العمل به ظلمًا كما جعل الله، والظلم ظلماتٍ كما قضى الله؛ فإن أوفى العباد من نور الله حظًّا أولو العلم، وأسعدهم به أولو العمل.
الآن تعرف أخا النور لم بلغت عداوة شيخ الظلمة إبليس وجنوده من الطواغيت المساجدَ ما بلغت؛ فإنها نجوم الله الهاديات في الأرض، والحافظات أهلها من التيه والضلال.
قال قائلٌ منكم: قد ذهب من المساجد -بما ذكرتَ- عامة نورها.
قلت: بقي الله ربُّها النور، يُستقبل فيها وجهُه النور، بالصلاة النور، تُتلى فيها آيات النور.
وإن أولي الألباب لمعتصمون بأثارات النور الباقيات فيها؛ فيشهدون الجمعة والجماعات على ما بها، ويشغلهم حظهم فيها من الله عن دواهي أربابها، ويعلمون أن حياتهم وعبادتهم وحركتهم لا تستقيم إلا بأسبابها، وأن غاية الحرمان والخذلان في هجران أبوابها.
وإذا كانت الصلاة هي الإسلام، وكان الإسلام هو الصراط المستقيم؛ فإن الصلاة هي الصراط المستقيم، وإذا كان صراط العبد في الآخرة هو صراطه في الدنيا؛ فإن حاله عليه غدًا هي حاله في الصلاة اليوم، وإذا كان رجاء المؤمنين في الصراط “رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا”؛ فإن أتمَّهم نورًا هناك أوفاهم حظًّا من الصلاة هنا، ولا أكمل للصلاة منها في جماعةٍ.
إن عبدًا ربُّه النور، ورسوله نورٌ، وكتابه نورٌ؛ ليس له في الظلمات موضعٌ.
وإن ربًّا أعدَّ النار لأولي الظلمات؛ ليكره أن يقذف فيها من قسم له من نوره نصيبًا.
اللهم اقسم لنا من نورك ما تعرُّفنا به صفاتك، وتفقِّهنا به في آياتك، وتبصِّرنا به بدائعك، ونرى به خيرَ الخيرَين فنتبعه، وشرَّ الشرَّين فندفعه، ونتقي به الفتن، ونقي به خلقك شُحَّ نفوسنا، ونحذر به شرورهم، ونصلح به ذات بينهم، ونكشف من الحق لهم، وتهدينا به سبلَ السلام.
#في_حياة_بيوت_المسلمين.
وأرجو التداني منكِ يا ابنةَ مالكٍ ** ودُونَ التداني نارُ حربٍ تَضَرَّمُ
راجعتِ “قاموس الحب والحرب” حبيبتي؛ كما ناشدتكِ مرارًا؟ أقدُر حزنكِ لرحيلي؛ لكنْ لا بد.
المدُّ والجَزْر، الظَّفَر والهزيمة، نُدوب الهوى وجراحات القتال، دقات القلب ودقات طُبول المعارك، غرام الفؤاد وغمرات الجهاد، الخوف والأمان، البَوْحُ والكتمان، الهِياج والسكون، مَشارع الأشواق ومصارع العشاق، الهيمنة وطرائقها؛ كلها في “معجم لسان الفطرة” سواءٌ.
قيل لعنترة: صف لنا الحرب، فقال: أولها شكوى، وأوسطها نجوى، وآخرها بلوى. وقيل لابن الفارض: صف لنا العشق، فقال: أوله عَناءٌ، وأوسطه سَقمٌ، وآخره قتلٌ. ولو أجاب أيهما سؤال الآخر ما زاد ولا نقص؛ إيهًا حليلتي! أولم أقل لكِ! فلأَزيدنكِ؛ فاستطيعي معي صبرًا.
العاشق تتدفق دماؤه في عروقه، والشهيد تنفجر دماؤه منها، فإذا قضى الله موت حبيبكِ شهيدًا فقد جُعل حظُّ دمي على هذه الأرض الفوران، لا ضير؛ حدثني أبي أن سُكَّان الفردوس الأعلى إذا زاروا ربهم -جلَّ ثناؤه- فرأوا وجهه الكريم؛ رجعوا إلى منازلهم وقد سكن فيهم كل شيءٍ.
دجَّالون هم حبيبتي؛ أولئك الذي يعزلون الحب في ثرثراتهم عن الحرب؛ يصونونه عن قبائحها زعموا! هل الحرب -في شِرْعةٍ مقدَّسةٍ- إلا سيفُ السماء يُحامي عن بقايا الجمال في الأرض!
في فتيةٍ مِنْ كُمَاةِ الدِّينِ ما تركَتْ ** للرَّعدِ كَرَّاتُهمْ صوتًا ولا صِيتا
قومٌ إذا قُوبلوا كانوا ملائكةً ** حُسْنًا وإنْ قُوتلوا كانوا عفاريتا
ويحكِ! تغارين من جاريةٍ! لم تكن صُوفيا التي رأيتِ صورتها معي إلا جاريةً، أهدانيها صديقٌ بعد غزوةٍ مباركةٍ في قازانَ من أرض الرُّوس، ومِثْله لا تُردُّ هِبَتُه؛ كما أن مِثْلكِ لا يُنازَع موقعُه، أنتِ أنتِ، لعل حبيبكِ إذا انتصر -فلم يَقضِ نحْبَه- عاد بها إليكِ؛ فكانت إحدى وصيفاتكِ.
“الفلفل الأسود علاجٌ لكثافة شعركِ سيدتي”؛ قرأتها على علبةٍ فوق رفِّ مرآتكِ ذاتَ مساءٍ قريبٍ، من قال أني أريد شعركِ مرسَلًا! أحبه كثيفًا؛ إنه في فلسفة حبيبكِ يشير إلى طبيعة هذه الحياة، ثم إني غير واثقٍ به دواءً لهذا؛ بَيْدَ أني على يقينٍ من دوره في صناعة بعض المتفجرات اليدوية.
لم أقرأ قصائد توماس هاردي الثلاثة في الحرب، ولا أنوي الإصغاء إلى قصيدة كريستينا روستي “الحب لا يعرف الألغام”؛ ذلك بأني مكذِّبٌ فؤادَيهما جميعًا؛ لكني أحفظ “أرملة الشهيد تهدهد طفلها”؛ حين يهدر في ثناياها -بكل كآبةٍ خلَّاقةٍ- صدُوق الحرية هاشم الرفاعي، يقول -تقبله الله شهيدًا-:
فإذا عرفتَ جريمةَ الـ ** ـجاني وما اقترفتْ يداهْ
فانثرْ على قبري وقبـ ** ـرِ أبيكَ شيئًا مِنْ دِماهْ
لم تذبل وردةٌ أهديتِنيها ذاتَ تنزُّهٍ في حديقةٍ فقيرةٍ إبَّانَ كنت مطارَدًا؛ فاليومَ أعدُكِ بمَروحيَّةٍ تتنزَّهين بها في سماء سيناء، ثم أخرى أغلى وأحلى وأعلى؛ شجرةِ زيتونٍ في طُور سينين؛ لا لجمال الزيتون في سفح الجبل؛ لكنْ لتجلِّي ذي الجلال يومًا عليه؛ كما وعد رسولُ الله سُراقةَ سِوارَيْ كسرى.
يا حبيبتي؛ عزيزٌ على نفسي عتابكِ يوم الرحيل ضحىً: لم تصِلكَ فتوى الشيخ بعدُ أن تخرج إلى الجهاد؛ فلمَ تصرُّ عليه؟ لقد سبقتْ يومَها إلى قلب حبيبكِ فتوى الله: “إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ”، وقد وَعَيْتُ عن أمي صغيرًا: يا بني؛ إذا اضطربت الفتاوى لغلبة الأهواء، وضللتَ عن الحق في غيابات الآراء؛ فكفى بالله مفتيًا؛ “يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ”.
“فضل الجهاد لمن سكن مصر من بائسي العباد”؛ عنوان كُتيِّبٍ تركت أوراقه مبعثرةً على مكتبي قبل السفر بثلاثٍ، لملميها حبيبتي، وانشريه بحثًا مُثَوِّرًا على “الشبكة” في كل موقعٍ تبلغين؛ عسى أن يكونوا في ميزانكِ ثقلًا أولئك الذين سيقرؤون فيفعلون، لا أحُضُّ في حروفه بؤساء المحروسة على الجهاد لنفسه؛ بل لضرورته لهم مَخرجًا من الموت إلى الحياة.
تقولين: نسيتني! ليس في هذه -بعد مألوف حبكِ العنيف- شيءٌ حسنٌ؛ إلا ما هان بها من ألم شظيةٍ أصابت عضُدي البارحة، أنساكِ! أنا -يا حبيبة- لولا تمرين قدميَّ على أن تخطئا طريقهما نحو ظلِّكِ؛ ما قدَرَتا على خطوتين بعيدًا عن شخصكِ، رجوتكِ؛ ازفِري وجعكِ ما شئتِ؛ لكنْ بغير “نسيتني”.
رعدٌ وبرقٌ ومطرٌ ونارٌ وبردٌ ودفءٌ؛ مجتمعةٌ كلُّ دواهي الشتاء في عَتمتي هذه ريحًا قاصفةً تجتاح جوانجي، الآن أفهم -يا حبيبتي- أن الشتاء ليس زمانًا؛ الشتاء مكانٌ سحيقٌ في أعماقنا، إنما فِعْلُ الزمان فيه أن يستخرجه منا فحَسْبُ؛ فتُهتك أستارُنا، ونكون على هذه الرَّجفة الشديدة من الحب.
ولقدْ ذكرتكِ والرِّماحُ نواهلٌ ** منِّي وبِيضُ الهندِ تقطرُ مِنْ دمي
إنما الحب في الأهوال؛ لم أذق طعم الحب في رخاءٍ فأشهد له، وقديمًا كنت أذكركِ في أحلك ساعات تعذيبي فأُواسَى كثيرًا؛ أوَّه! لم تُبق رعشة الفؤاد لرعشة أطرافي من زمهرير هذا الليل شيئًا.
إِنَّ العيونَ التي في طرْفها حَوَرٌ ** قتلننا ثمَّ لمْ يُحيينَ قتلانا
يصرَعنَ ذا اللُّبِّ حتى لا حَرَاكَ بهِ ** وهُنَّ أضعفُ خلقِ اللهِ أركانا
غدا كل مجاهدٍ يبرأ إلى الله من بيتَي جريرٍ هذين؛ إلا أنا؛ أنا من صرعته بحقٍّ عيناكِ؛ غير أني جعلت موضع مصرعي حيث غايتُه، وغايته وضعُ الآصار عنكِ وعن قومكِ فداءً لعينيكِ، لقد برزتُ إلى فرعون برسالةٍ من موسى لا أعرف ما بها؛ غير أن ظرفها منقوشٌ عليه: “أَنْ أَدُّوآ إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ”.
“ابنُ الوَسِخَة”؛ تمامًا كما تقرأينها، لم يفقد لسانُ حبيبكِ عفَّته؛ كيف وأنا أكتب إليكِ من مُصلَّاي في كهفي! لكنْ ما حيلتي والزَّنيم لا يُعرفُ إلا به! “والحُرُّ ممتحَنٌ بأولادِ الزنا”، أثابه الله عنا خيرًا عظيمًا إذ جعل القدس عاصمةً لليهود؛ لقد كادت -في أجيالٍ صاعدةٍ نازلةٍ- أن تكون نسيًا منسيًّا؛ فاليومَ يبعثها الله في قلوبنا بعثًا جديدًا؛ دُحُورًا -يا ابن اللَّخْناء، وخنثاك في مصرَ- ولكما عذابٌ واصبٌ.
“متن أبي شجاعٍ”؛ قرِّي عينًا؛ بقيتْ لحبيبكِ من حفظه فِقرتان، وذا شرحٌ ثالثٌ له بين يدَي، أُراوح بين مطالعته وبين تدريبٍ على “الدُّوشكا” عسيرٍ، خاب المقتسمون؛ إما متفقهٌ وإما مقاتلٌ! أولم يكن أبو شجاعٍ قاضيًا أولَ حياته ناسكًا آخرَها فقيهًا بينهما! ويلي! كيف أُنسيت حاشية شيخ الثوار الشهيد عماد عفَّت أَدْرُسها! ولم يزل يُطرفني لذيذُ تشغيبكِ على مذاكرتي في “واتساب” أيامَ عقدنا؛ إذ تقولين: لا أنهي المحادثة وأدعك حتى تجيبني؛ من وصل قليلًا من الآخرين بثُلَّةٍ من الأولين؟
أبو شجاعٍ عمادًا في تعفُّفهِ ** أمْ شيخُ ثورتنا قدْ طالَ بالشَّجَعِ
تكتبين: ديارُنا! ما علمتُ ديارنا صالحةً للحب يومًا؛ أليست هي الديار التي يقول حكماؤها!: “إنَّ الجدارَ لهُ أُذُنْ”! فلقد تعلمين حبيبكِ؛ لا يناسبه قطُّ ذلك النوع الهزيل من الحب؛ فأيُّ ديارٍ!
أنا لنْ ألينَ ولنْ أخونْ ** ولنْ أُغادرَ رَكْبَها
أنا لنْ أُهادنَ مَنْ بغوا ** يومًا على أبرارها
سمكُ السَّردين؛ تصدِّقين أني ما شبعت بعده مرةً واحدةً! كيف طهوتيه يومئذٍ! وأنا أصدُقكِ أيضًا؛ ما ذكرته الآن من شوقٍ لأشقى؛ بل ذكَّرنيه قائدٌ -هنا- بالأمس في حديثٍ عن القنبلة العنقودية، قال: ما إن تقع القذيفة حتى تأخذ بالدوران؛ بسبب زعانف الذيل الذي يشبه ذيل السمكة السَّردين.
لا والله حبيبتي؛ ما كانت نزهة صيدٍ مع صُوفيا، ولا كان ما على كتفي الأيمن بندقيةٌ ألهو بها، من وَشَى بصوري تلك عندكِ؟ قُتل النَّمَّامون؛ بل كان “آر بي جي”؛ فماذا عليَّ إذًا من جُناحٍ! ألم تكن ضراعتكِ لي ذاتَ تهجُّدٍ بسَحَرٍ: يا رب “آر بي جي”؛ يجاهد حبيبي بيه! أفذنبي أنكِ كنتِ صادقة الرجاء! الآن الآن أحمله حبيبتي؛ كما حمل إخلاصُكِ دعاءَكِ حتى اخترق حُجُب السماء.
الحُب؛ قاتل الله ضمَّة الحاء به؛ تذكِّرني كلَّ ضمةٍ بيننا كانت، فأنا كائنٌ بآثارهن إلى يوم لا أكون.
الشهيد والحور العين؛ لم يَعِدِ الشهيدَ بحورٍ عينٍ هذا الوعد الفيَّاض؛ إلا ربٌّ “يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ”؛ إن كل معنًى يخوضه المجاهد في غربته؛ لَيَشُدُّه إلى كل معنًى في المرأة شدًّا؛ من يوم “زمِّلوني زمِّلوني” فزمَّلته خديجة، إلى يوم “قُبض رسولُ الله بين سَحْري ونَحْري” تباهي بها عائشة، وما كان بينهما من تكاليف الرسالة بين حاجات النفس في شدائد الحياة.
بارودتي بيدِي ** وبجَعبتي كَفَنِي
يا أُمَّتي انتظري ** فجْري ولا تَهِنِي
شظيةٌ وذخيرةٌ وكبسولةٌ ورصاصٌ وزنادٌ، والبارود وحده؛ كم كنتِ تَمَلِّين هذه الأغنية أكررها كثيرًا! لم يكن حبيبًا إليَّ فيها شيءٌ غير البارود؛ يقولون إن أول استعماله كان في الذود عن غَرناطة.
حبيبتي؛ عَلَقَة تماسِّنا ببطنكِ هي بقيتي فيكِ الباقيةُ من بعدي؛ ولدُنا مُضغتُنا؛ حملُكِ به يشبه اعتناءكِ بي نائمًا، رضاعتكِ له تحاكي برَّكِ بي يقظانًا، أما تأديبكِ إياه فثغرٌ كتب الله لكِ كفايته وحدكِ، فإن يكن ذكرًا فألحقيه بحنظلة غِسِّيل الملائكة، وأخبريه أني ما خرجت إلا لما خرج له سيدي رضي الله عنه، وإن تكُ أنثى -“وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَى”- فاجعليها مثلكِ أنتِ؛ لا أريد بها مزيدًا عليكِ في شيءٍ.
“النفاذ في الفولاذ”؛ هذه كلمة السرِّ بيني وبين ولدي، حفِّظيه إياها؛ لتكون كلمة سرِّ هاتفه وحاسوبه وكلِّ آلةٍ ذاتِ كلمة سرٍّ، حتى إذا لقيته في عَرَصات القيامة وسارَّني بها في أذني عرفته؛ فلَثَمْتُه هناك وعانقته، وفاخرت به الآباء في حضرة الله؛ أَوصيه بكل ما أوصيتكِ به فيها، لا أريده أن يعرف أنها معيار قوة قذيفة “الآر بي جي”، ذلك شيءٌ يعرفه آحاد الناس؛ بل أريدها معنًى ضخمًا هائلًا في نفسه، يقوِّي ظهره في الحياة كلها؛ حتى ينفذ هو في كل فولاذٍ، واستعيني الله.
رحم الله جدَّتي؛ قالت لي: لما بلغ والدتَك نبأُ شهادة أبيك أسعده الله؛ سألت من فورها: ضُرب في بطنه أم في ظهره؟ عجبنا لسؤالها! وكان حذر المرأة أن يكون بطلُها قُتل مدبرًا؛ لا إله إلا الله.
لا أحلى فيكِ بعد أنكِ زوجي من أنكِ أمي سوى أنكِ صديقتي؛ شُدِّي أزري، يقولون إن روميل لم يخسر حربه لنقصٍ في كفاءته؛ بل لضعفٍ كان في الدَّعم الجوِّي، فأنتِ -يا حديث أنفاسي- جوِّي وأرضي وسمائي، أنتِ أنتِ، شاركيني أمري؛ كي نسبِّح الله كثيرًا، ونسفح دم عدوه كثيرًا.
رثاء سيدي عمر؛ من زاويةٍ أخرى.
إن الذين أمرهم الله بالقسط فقسطوا؛ ويلٌ لهم.
المعمَّمون اللابسون جلودَ الضأن على قلوب الذئاب.
الشيوخ الذين شاخت قلوبهم في مهنة “امتهان الدين”، وتعسًا.
لا أولى من الطواغيت بكل مذمةٍ إلاكُم؛ فإنكم الناسبون الزورَ إلى الله.
يا أيها المستطيبون الخبائث؛ كلوها ما شئتم، لكن لا تُسمُّوا عليها من حرَّمها.
إن الذين آتاهم الله آياته فصَلَّوا بها مُنَكَّسَةً في محاريب الطواغيت؛ أضلَّ الله أعمالهم.
أشدُّ من الحجارة قسوةً قلوبُكم؛ طعنتم جسد الإسلام وهو جريحٌ، فعظُم أنينُه، وأنتم سامدون.
أعجبُ من لوطيٍّ إذا قال عند لواطه: اللهم جنبنا الشيطان! شيخٌ يتلو على إضلاله الناسَ آيات الله!!
“يا أصحاب العلم؛ قصوركم قيصريةٌ، وبيوتكم كِسرويةٌ، وأثوابكم ظاهريةٌ، وأخفافكم جالوتيةٌ، ومراكبكم قارونيةٌ، وأوانيكم فرعونيةٌ، ومآثمكم جاهليةٌ، ومذاهبكم شيطانيةٌ؛ فأين الشريعة المحمدية؟!”؛ لست أدري من خاطب بها يحيى بن معاذٍ أضاء الله جدَثه، وقد قضى نحبه قبل انقضاء المئة الثالثة! ماذا لو أدرك كهان معابد الطواغيت الزنادقة -اليوم- يشرعون ألوان الكفر على اسم الله والرسول؟! ظني أنه لن يقول فيهم شيئًا؛ إنما زواجر المواعظ للاستصلاح، وحقُّ المفسدين القتال.
سيقول الذين إذا قرؤوا بين عيني الدجال “كافرٌ”؛ لم يعرفوه: كيف نعرف شيوخ السوء؟ ذروهم عُمْيًا.
“وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ”؛ لو كان ذلك من رسولنا كذلك؛ لكان عقابنا له هذا العقاب، ثم لا يصرفه عنه أحدٌ.
“أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِن يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ”؛ يفترون على النبي أنه افترى الكتاب على الله؛ كيف ولو شاء الله لطبع على قلبه، فكأن آيةً واحدةً لم تنزل عليه؛ صلى الله عليه وسلم.
“وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَّاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا”؛ أوشك عدوك -يا حبيبي- أن يصرفك عن وحينا فتفتري علينا غيره، فإن فعلت جعلوك لهم وليًّا؛ ذلك شرطُهم.
“وَلَوْلَآ أَن ثَبَّتْنَاك لَقَدْ كِدْت تَرْكَن إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا”؛ هذه المرعبة! مجرَّد الكَيْدُودة ومجرَّد الميل! إذا هما وقعا منك؛ فلأعذبنك حيًّا وميتًا أغلظ العذاب، حتى قال عندها الزمخشري رحمه الله: على المؤمن إذا تلا هذه الآية؛ أن يجثو عندها ويتدبرها، فهي جديرةٌ بالتدبر، وبأن يستشعر الناظر فيها الخشية وازدياد (التصلُّب) في دين الله.
أيها الموقِّعون عن رب العالمين في الأرض؛ تالله إنها لفيكم أنتم، كفى بقوارع حروفها زلزالًا؛ أن يعظكم الله في ذلك بنبيه نفسِه، طوبى لمن سَلِمَ، وخاب من افترى، وعَوْذًا من الهاوية.
ما كانَ في القرآنِ منْ نِذارةْ ** إلى النبيِّ صاحبِ البِشارةْ
فكنْ لبيبًا وافهمِ الإشارةْ ** إياكَ أعني واسمعي يا جارةْ
أما أنتم يا خِرَق عورات الطواغيت؛ فلعنكم الجبار؛ كتمتم من الحق -بعدما لبستموه بالباطل- ما كتمتم، وبدَّلتم من عقائد الدين وشرائعه ما بدَّلتم، فإذا الإسلام الذي تدعون إليه الناس ليس الذي هو عند الله، بل هو دينٌ تنزل كتب السماء بمحو مثله، ويُبعث أنبياء الله بقتال أهله؛ ما يفعل الله بكم غير هذه المُوساوية اليتيمة في كتابه؛ “وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى الله كَذِبًا فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ”، والسَّحْت إهلاكٌ ليس فيه بقيةٌ.
يا شيخ الأزهر، يا مفتي الجمهورية، يا وزير الأوقاف، يا ثالوث الكهانة والخيانة، يا أشباههم؛ إنا لا نقول لكم ما قال الكليم لقومه: “وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى الله كَذِبًا”، فقد ملأتم الأرض افتراءً على الله كذبًا، لكنا نبشركم بسَحْتٍ من الله لا يُبقي منكم ولا يذر؛ يُحارَب الله ورسوله، ويُبدَّل الدين ويُحرَّف، وتزهق الأرواح، وتُنتهك الحرمات، ويُسجن الناس، وتموت طوائف بالجهل والفقر والمرض سياسةً منظَّمةً، ويأكل قوي الناس ضعيفهم فعلَ الضَّواري، ويُساق منهم إلى جهنم -كلَّ ساعةٍ- زُمَرٌ؛ بتغييب الشِّرعة الربانية وفرض القوانين الإبليسية، وأنتم تارةً تسارعون في مراضي ساداتكم وتتزيدون، وتارةً تشاركون فيها وتساهمون، وتارةً صمٌّ بكمٌ عميٌ عنها لا تنكرون؛ ربنا فكِدْهُم بنا وما يعبدون.
لعلكم سألتم الطاغوت أجرًا -أو لم تسألوه لانحطاط نفوسكم- فقال: “نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ”؛ فمن يعطيكم إذا أهلكه الله أو نسيكم؟! وما ينفعكم تقريبه إياكم “إِذَا السَّمَآء انشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ”، فيصيح -وقتئذٍ- الأبعد: “هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ”؟! يا أيها العبيد المناكيد؛ لو قام بقلوبكم من كبرياء الله شيءٌ؛ ما عشَّش صَغار الطاغوت فيها، ولو أحست أرواحكم نعيم الإسلام؛ ما تسولتم بؤس الجاهلية، أنتم والله الشياطين في جَثامين الإنس، قديمًا قال أبو حامدٍ الغزالي -رحمه الله- في قومٍ كانوا خيرًا منكم حالًا: “واحترز عن الاغترار بتلبيسات علماء السوء؛ فإن شرهم على الدين أعظم من شر الشياطين؛ إذ الشيطان بواسطتهم يتدرج إلى انتزاع الدين من قلوب الخلق”، وماذا عليكم لو سرتم مع الشريعة حيث سارت؛ دورانكم مع الطواغيت حيث تدور؟! وماذا عليكم لو بذلتم للطُّهر من أقوالكم؛ معشار ما تبذلون للعُهر من قلوبكم وأعمالكم؟! لا جَرَمَ أن ما صدَّكم عن صادق الحق ما يجري في عروقكم من باطل الزور، وأنكم بالعاجلة مفتونون.
“وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ”؛ بالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين، يا أيها الأوباش؛ ما جعلكم أئمةً للناس وأنتم -الأقزامَ- لا تُعرف لكم نسبةٌ حقةٌ إلى الإسلام الحق، ولا يُذكر لكم ابتلاءٌ فيه تصبرون عليه، وقد أفلستم من اليقين وأبلستم، أهذه العمائم التي كوَّرها الطاغوت على رؤوسكم؟! غدًا “إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ” يحُلُّ الجبار تكويرها، أم تلك المناصب التي قلَّدكم إياها؟! فإنْ هي إلا فزعةٌ من فزعات الصاخة تطيش بالزيف جميعًا، ثم لا يَبقى لكم إلا حرُّ جهنم تلفح وجوهكم؛ جزاء برودة دمائكم وصفاقة وجوهكم، يا حُمُرًا مستنفِرةً، فرَّت من قسورةٍ؛ خفف الله موازينكم كما تسارعون في المخازي خِفافًا، ومزقتكم خطاطيف الصراط فوق جهنم قبل قلبكم فيها؛ كما مُزِّقت بكم الملة كلَّ ممزقٍ، وكما انقلب أهلها بكم مهزومين؛ عليكم عددَ قتلانا وأسرانا لعائن الله.
إنا لا نعرف رجلًا سلك طريق الله إلا ابتلي فيه؛ قتلًا أو حبسًا أو نفيًا أو مطاردةً أو تقييدًا، “هذا طريقٌ تعب فيه آدم، وناح لأجله نوحٌ، ورُمي في النار الخليل، وأُضجِع للذبح إسماعيل، وبِيع يوسف بثمنٍ بخسٍ ولبث في السجن بضع سنين، ونُشر بالمنشار زكريا، وذُبح السيد الحصور يحيى، وقاسى الضرَّ أيوب، وزاد على المقدار بكاء داود، وسار مع الوحش عيسى، وعالج الفقر وأنواع الأذى محمدٌ”، كذلك ما سار مسيرهم تابعٌ لهم إلا ابتُلي قدْرَ سيره، حتى فاصل بها مالكٌ رحمه الله: “لا أعلم أحدًا إلا ضُرب في هذا الأمر”، أما أنتم؛ فنبذتم الكتاب وراءكم ظِهْرِيًّا، وأشبهتم الكلاب إن يُحمل عليها تلهث وإن تُترك تلهث، وضاهيتم الحمير تحمل أسفارًا؛ فما تكونون إلا “أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ” أيها المقبوحون.
“إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ”؛ انظر كيف كان “الأمر بالقسط” هو العلة الجامعة بين أنبياء الله وأتباعهم بحقٍّ في حساب أعدائهم، ثم انظر كيف سالَم الأعداءُ هؤلاء البُعداء؛ ما سالموهم إلا أنهم تنكَّبوا سبيل الأنبياء.
“إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ”؛ قال قائلٌ منكم: أفرأيت لو كان ما اشتروا به ثمنًا كثيرًا؟! هو مهما كثُر قليلٌ، ومهما جلَّ حقيرٌ؛ فإنما يقاس بنفاسة الدين العزيز الذي باعوه، وبعِظم ثواب الآخرة الذي ضيعوه، ولقد قال الله لرسوله في دعوة الحق التي يدعو بها -لا دعوة الباطل التي يدعون بها-: “أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ”، وأما الثانية فإن حق ما يأكلونه في بطونهم بأثمان دينهم الذي باعوا هو النار؛ النار في الدنيا إذ يحرق السُّحتُ جذورَ الحق في قلوبهم ومنابتَ الخير في نفوسهم، فلا يكادون يقولون حلالًا أو يفعلون، والنار يوم التغابن هي النار.
“وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ”؛ لا زال بكم اجتناب الكتاب خطواتٍ؛ حتى قُلِبت في قلوبكم (لتكتمنَّه عن الناس ولا تبينونه)، وأقامكم على صراطه تدعون إلى دينه غير ذي عوجٍ، فقعدتم عليه تصدون عن سبيله من آمن تبغونها عوجًا، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم: “من أتى أبواب السلطان افتتن”، فتقافزتم عند أقدامهم -لا أبوابهم- أيكم يظفر بها نعلًا، لا غَرْوَ؛ عصمتنا من الحيرة فيكم تتمة حديث الرسول؛ “وما ازداد أحدٌ من السلطان قُربًا؛ إلا ازداد من الله بُعدًا”.
سأل سائلٌ: ألا تحرِّك أرواح الأبرياء المزهَقة -في طول البلاد وعرضها- بأسبابٍ شتى؛ جوامدَهم؟! يا مسكين؛ هم القتلة؛ أفتظن أن ربك يقيض للطغيان -مُشَرْعَنًا- عبدًا بقي في قلبه توحيدٌ أو مرحمةٌ؟!
“إن الرجل ليدخل على السلطان ومعه دينه، فيخرج وما معه دينه”؛ قالها ابن مسعودٍ رضي الله عنه، ولم يخطر له الطواغيت على بالٍ، ولا طافت صورهم له بخيالٍ، كذلك قال الثوري -رحمه الله- في الذين كانوا للإسلام خلفاء وللمؤمنين أمراء: “إن دعوك لتقرأ عليهم “قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ”؛ فلا تأتهم”.
“يكون في آخر الزمان أمراء ظلمةٌ، ووزراء فسقةٌ، وقضاةٌ خونةٌ، وفقهاء كذبةٌ؛ فمن أدرك ذلك الزمان منكم؛ فلا يكونن لهم جابيًا، ولاعريفًا، ولاشرطيًّا”؛ نعوتٌ نكاد نترحم على أهلها اليوم يا نبي الله!
“لا تزال هذه الأمة تحت يد الله وكَنَفِه؛ ما لم تُمالئ قراؤُها أمراءَها”؛ منذ قرع بها الحسن -رحمه الله- سمعي؛ لم أعجب مما أحاط بهذه الأمة من حالك الظُّلَم، وأي يدٍ نكون تحتها من بعد يدك يا رب؟!
“غير الدجال أخوفُني عليكم”، “أخوف ما أخاف على أمتي؛ الأئمة المضلون”، “إن أخوف ما أخاف عليكم؛ الشرك الأصغر”، “إن أخوف ما أخاف عليكم بعدي، كل منافقٍ عليم اللسان”، “إن أخوف ما أخاف عليكم الرياء، والشهوة الخفية”، “إن أخوف ما أخاف عليكم؛ رجلٌ قرأ القرآن، حتى إذا رُئِيت بهجتُه عليه، وكان رِدءًا للإسلام؛ انسلخ منه، ونبذه وراء ظهره، وسعى على جاره بالسيف، ورماه بالشرك”، “إن أخوف ما أخاف على أمتي؛ من عمل قوم لوطٍ”، وقال سفيان بن عبد الله الثقفي رضي الله عنه: يا رسول الله؛ ما أخوف ما تخاف علي؟ فأخذ رسول الله بلسان نفسه وقال: “هذا”، “إن أخوف ما أخاف عليكم؛ ما يُخرج الله لكم من زهرة الدنيا”؛ تلك عشرةٌ كاملةٌ، لم يخف النبي -صلى الله عليه وسلم- علينا من شيءٍ مثلها، يجمعها معنىً واحدٌ؛ حصول الشر العظيم ووقوع الفساد العميم.
الدجال هو الدجال شرًّا وفسادًا، والأئمة المضلون رؤوس الناس المقتدَى بهم طبيعةً، فإذا أضلوهم لم يكن مثل ذلك سوءٌ، والشرك الأصغر الذي لا يشعر به صاحبه وهو يفعل في توحيده فعله، كما أنه مطيةٌ إلى الكفر الأكبر، والمنافق الذي يبطن الكفر بالله والرسول، وهو مع ذلك عليمٌ بأنواع البيان، خبيرٌ بصُنوف الجدال، والرياء الذي تعظُم أسبابه البشرية وتكثُر، مع ما يُفسد من النُّسك، والشهوة الخفية “حب الرئاسة” وما تجني على القلب والقول والعمل والأخلاق، وفتنة الناس الشديدة في ارتداد رجلٍ فتح الله له في القرآن وفي الإسلام فتحًا عجبًا، ثم كان منه بعد ذلك ما كان من كفرٍ وطغيانٍ، وعمل قوم لوطٍ وما يترجمه من قلب الموازين وخسف الفِطَر وفساد الحياة، وخطايا اللسان التي لا جابر لكسورها الجمَّة إلا ما شاء الله، والتعلق بالدنيا وما يُعطِّل من مصالح النفس والحضارة والآخرة.
رضي الله عن عمر إرهابيِّ الإسلام الوضيء، وعمَّن ربَّى عمر، وعمَّن يصنع للأمة مثل عمر.
يا عمر الغوث والنجدات، يا حبيبي النبيل فؤادُه، لغبارٌ يثيره نعلك الشريف أطيب من هواءٍ تضخه رئات القاعدين جميعًا، جبرت قلوبنا في بعض يومٍ فجبرك الله، وألحقنا به اللهم محضَ منٍّ كريمٍ.
“إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَآءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ”؛ رباه قد طغى بطش الطواغيت بكهانهم وجنودهم، وإنا اعتصمنا بالجارية؛ فُلْك شريعتك المشحون بالهدى ودين الحق؛ فاحملنا فيها على ألواح اجتناب الطاغوت أن نعبده، ودُسُر الإنابة إليك، باسمك اللهم مجراها ومرساها، لا تجعل عقوبتنا السقوط منها طرفة عينٍ؛ حتى تستوي على جُودِيِّ الآخرة بنا سالمين، وينادي مناديك: بُعدًا للقوم الظالمين.