صَهْ وصَهٍ، مَهْ ومَهٍ. هل

صَهْ وصَهٍ، مَهْ ومَهٍ.

هل يستنبت الشأنُ في سورية الحبيبةِ نابتة مداخلةٍ، ونابتة خوارج!

فلهؤلاء -قبل نباتهم- أقول اثنتين:

– ذودوا، لا تذوبوا؛ ذودوا عنهم الكافرين، من غير ذوبانٍ فيهم.

– القوم قدَرٌ يجب أن يستفاد منه، لا شرعٌ يصح أن تُغرقوا الأمة فيه.

ولأولئك -قبل نباتهم- أقول اثنتين:

– عن قطعيِّ المنكرات لا تسكتوا، وإخوانَكم في الله لا تَسْحِتوا.

– موجود السوء: لا توقدوه بالأُتون، ومعدومه: لا توجدوه بالظُّنون.

ليس في الإسلام سكوتٌ عن باطلٍ مراعاةً لزمانٍ أو مكانٍ أو حال وليٍّ أو حال عدوٍّ؛ على أن يكون قطعيَّ الدلالة على الباطل، قطعيَّ الثبوت إلى أهله، في العلن لا في الخفاء، ومن تكلم فبعلمٍ وعدلٍ، ولَمَن راعى العلم والعدل فأولئك ما عليهم من سبيلٍ؛ إنما السبيل على الناهين عن النهي عن المنكر، يحسبون ذلك أرجح للكليِّ العامِّ الأبديِّ على الجزئيِّ الخاصِّ الأمديِّ.

يا إلهي! كيف توهَّمت القضاء في الرجال (بغير سلب المحامد من المخالفين المفارقين، وجلبها للموالفين الموافقين)؛ كيف توهَّمته فعلًا سهلًا!

فإني اليوم -وسطَ العِقد الخامس- أظن ميزان الاعتدال في الرجال من أشقِّ تكاليف الإسلام نظرًا وعملًا: التوسط بين المدح إلى غير سقفٍ والقدح إلى غير أرضٍ، من تخايله سهلًا فهو متخايلٌ؛ كم بالخيال من خبالٍ!

وماذا علينا إذا عرفنا معروفهم دون مَلْأَكَةٍ، وأنكرنا منكرهم دون شيطنةٍ!

ويلَ المُرْهِبين إخوانهم من هؤلاء وأولئك! ما يزيدون القضية إلا رهقًا.

هؤلاء يُخَوِّفون كل منكِرٍ على القوم منكرًا لا ريب فيه، يقولون: سفهاءُ أنتم تُفَشِّلون التجربة، وأولئك يَنظرون إلى كل عارفٍ منهم معروفًا نظر المتكبرين في صورة المشفقين، يقولون: أغرارُ أنتم لا تفقهون شيئًا.

لئن حمدنا ربنا بما عصمنا من خذلان الإخوان -إِبَّان كانوا في صورة الحكم- حمدًا جزيلًا؛ فإنا نثني عليه -تمجَّد وتعظَّم- بأنا لم نسكت عن منكرٍ فعلوه ثناءً جميلًا؛ فكنا -بحول الله وقوته، لا بحولنا وقوتنا- فيهم من المقتصدين.

كذلك تولانا مولانا في المناضلين عن بيت المقدس، فجعلنا فيهم وسطًا؛ نقول في قولهم في قاسم سليماني وحسن نصر اللات: هذا منكرٌ من القول وزورٌ، ونقول في بدائع الروائع التي يفعلون: عملٌ مبرورٌ وسعيٌ مشكورٌ.

أفرأيت لو كان في أحبابك -أعاذك الله وإياهم- من فشِلت كُلْيَتاه وكبدُه وضرب السرطانُ عامَّة جسده؛ فإنك ترجو بشطر قلبك أن يُشفى من كل ذلك شفاءً لا يغادر سقمًا، وترجو بشطر قلبك لو شُفي منه بُعَيْضُ ذلك فاستبقى حياته؛ فإنا كذلك في الفاتحين من إخواننا والغامقين كلما وأينما وكيفما مُكِّن لهم؛ ننظر بعين الشرع إلى ما تركوا من الحق فنقول: تلك طريقةٌ لا تُبَلِّغنا ما نصبو إليه، وننظر بعين القدَر إليهم فنقول: لله الحمد بما جاوَزوا بنا سوء ما كنا عليه، ثم لا تكون وظيفتُنا فيهم خَلْع ثوب الشريعة على تصوراتهم وتصرفاتهم بمُجَرَّد إسلامهم، وذلك محضُ التوفيق، طوبى لمن هداه الله إليه وأقدره عليه.

إن من أحبتي هنا الفاتحين والغامقين من أنظر إلى موفور خير الرب فيه، فأدعو الله أن يمكن به، ثم أنظر إلى طول مكثه في الوكس أو الشطط فأدعو الله (ما بقي كذلك) ألا يمكن له؛ إنه ما تمكن (وهو كذلك) جار علينا جورًا عظيمًا.

إن الذين يقومون في رجال المسلمين وطوائفهم بمعرفة معروفهم لا يهابون أَسِنَّة الماقتين، وبإنكار منكرهم لا يخشون ألسنة العاشقين؛ لهُم -على الحقيقة- أولى الناس بهم في الدنيا والآخرة؛ نرجو الإله أن نكون منهم مدة الحياة.

ثم تارةً أخرى أقول:

طول مكث الناس في ظلمات الاستضعاف؛ طَرَّف قومًا إلى استمراء سوادها، وقومًا إلى استعجال كمال أضدادها؛ فالأولون احْلَوْلَى لهم الهوان فهم يعادون كل ساعٍ لإعتاقهم منه، والآخرون ظِماءٌ إلى التمكين فهم يحسبون كل مُتَأَنٍّ فيه يصدهم عنه، وأُولو الإسلام والنُّهى بين الوَكْس والشَّطَط يسترشدون الله.

أيعجز أحدنا أن يكون في الذي بين المسلمين من شقاقٍ؛ عبدًا حَسنيًّا!

الحَسنيون: المقتدون بسيدنا الحَسن بن عليٍّ عليهما رضوان الله، القائلِ فيه جدُّه المعظَّم ﷺ: “إن ابني هذا سيدٌ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين”، أولئك الحَسنيون الذين يعرفون معروف المسلمين وينكرون منكرهم؛ لكنهم -إذ يُحِقُّون الحق، ويبطلون الباطل- لحظوظ أنفسهم مجتنبون، ولعموم مصالح المسلمين مجتلبون، إنما تحيزهم للحق أين كان، فأما أن يكون تحيزهم لطائفةٍ مهما رشدت أو غوت؛ فلا، أولاء متحيزون لا يُمَيِّزون.

يا حيُّ حين لا حي، يا قيوم كلَّ افتقارٍ؛ اجمع لنا بين قاعدَتي شريعتك المثلى: إحقاق الحق، وإنصاف الخلق، وصِل بنا ما أمرت به أن يوصل، واجعل رَغَبَنا ورَهَبَنا فيك أنت، وأعِذنا من الظلم كلِّه؛ دِقِّه وجِلِّه، جِدِّه وهزلِه، علانيتِه وسِرِّه، خطئِه وعمدِه؛ أن تُنْقَض ظهورُنا يوم التغابن، ومتِّعنا بالعدل حتى نلقاك.

قال قائلٌ منكم: فعَمَّن نأخذ

قال قائلٌ منكم: فعَمَّن نأخذ ديننا!

يقول ذا بعد ما طعنت البارحة على نفرٍ من الأفَّاكين قليلٍ.

كأنما حصر الله العلم في الأراذل!

ألا إن كرام الشيوخ الصالحين المصلحين لا يُحْصَون عديدًا.

حبيبي وهداني ربي وإياك؛ خذ دينك من فضلاء الأزاهرة وما أكثرهم، وعن نبلاء السلفيين وما أوفرهم، ومن سوى هؤلاء وأولئك؛ كثُر خير الرحمن وطاب.

من كل ذي علمٍ بالله (لا شيخِ طاغوتٍ يُرَقِّع له وإنْ بكلمةٍ واحدةٍ، سواءٌ أظهر عداوته له أو كان مستور الحال)، وذي علمٍ بما علَّمه الله (وأبواب الإسلام كثيرةٌ، ولكل بابٍ منها أهلون)، وذي خبرةٍ بالواقع (إن كان لمسألتك عُلْقَةٌ بالواقع).

ما لم يكن المأخوذ عنه قُصُوريًّا يُطَوِّعُ الناس للطواغيت كأحمد الطيب وعلي جمعة وأذنابهما، أو قُبُوريًّا يفتن الناس بالمقبورين كمحمد عبد الواحد وكوناتي وأضرابهما، أو طعَّانًا على أئمة السلف كالخليفي مُكَفِّر سيدنا أبي حنيفة ومحمد شمس الدين سابِّ إمامنا النووي؛ ما لم يكن كذلك فخذ عنه واقبل منه.

سأل سائلٌ منهم: فمن تكون أنت!

أخوك لا شيء، لا شيء وربِّ كل شيءٍ؛ غير أني هنا لأُذَكِّر نفسي وإياك بشيءٍ هو الشيء، ليس كمِثله شيءٌ، بما أوجدنا الله لأجله من العدم؛ توحيدِ الله بالعبادة وتوحيدِ رسوله بالاتباع، ولا يكون هذا وذاك (ألبتة) مع قُصُوريةٍ وقُبُوريةٍ.

لا إيمان بالله قبل الكفر بالطاغوت؛ “فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى”، “وَالَّذِينَ اجْتَنَبُواْ الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوآ إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى”، فمن دعاك إلى غير عَدَاء الطاغوت؛ فذاك داعٍ إلى النار.

لن تجدني فظًّا غليظًا كما تتخايَلُني بعينك أو بعين غيرك؛ إلا على القُصُوريين والقُبُوريين، وعلى سبَّابي السادة أئمة السلف رضي الله عنهم، وعلى الغُلاة في غُلُوِّهم، وعلى دُعاة الضلال والفجور، وعلى المفرِّقين بين بني الإسلام.

حبيبي؛ هذه صفحتي بها آلاف المنشورات، هاتِ منها حرفًا واحدًا أغلظت فيه على واحدٍ غير هؤلاء، بوجه ربي أعوذ أن تزول عني غلظتي عليهم حتى ألقاه، لا رأفة بهم ولا رحمة لهم ما داموا يسوقون عباد الله إلى جهنم زُمَرًا لا يُبالون.

أخوك مسلمٌ سُنيٌّ حسبي ذلك وأستثبتُ الله لفؤادي، لا أعتقد عقيدة الأشاعرة وغيرهم فيما خالفوا فيه أهل السنة، وأنكر عليهم إنكارًا شديدًا؛ لكني لا أحاربهم ولا أجعل عداوتي فيهم، وأشهد لجلال أئمتهم في فروع الإسلام فريضةً لله.

أحب في الله من الأزاهرة ما لا أُحصي، وأستفيد بهم خيرًا كثيرًا؛ لكني لست أزهريًّا؛ بل أنا كافرٌ بالأزهر حتى يُعتقه الربُّ الأكرمُ من أغلال الطواغيت، ساخطٌ على كُهَّانه رؤوسًا وأذنابًا، لا أهاب قول هذا ما استقبلتُ وجه الله بالمهابة.

أهوى على الإسلام من السلفيين ما لا أَستقصي، العِلميين والمقاتلين، وأنتفع بهم شيئًا عظيمًا؛ لكني لست سلفيًّا على وجه الانتساب إلى طوائفهم، وليس عُبَّاد الطواغيت من المداخلة والبراهمة بسلفيين؛ بل هم خِناثٌ مجرمون.

أبرأ إلى الله من طرائق الإخوان وخلائقهم؛ غير أني ألعن بلعنة الله ظالميهم، وأسترحمه لمظلوميهم، وأرجو لهم حق الحرية وأَبَدِيَّها لا صورتها وأَمَدِيَّها؛ فإن غايتهم الفِكاك من سجون الجاهلية، وغايتنا فِكاكهم من الجاهلية جميعًا.

أما المقاتلون الطواغيتَ بألسنتهم وأَسِنَّتِهم أينما كانوا؛ فأنا منهم وهم مني، هذي سبيل الله القدرية الشرعية لإزاحة الطواغيت لا شريك لها؛ لكني أبرأ إلى الله من غُلُوِّ غُلاتهم كالدواعش؛ كما أبرأ إليه من تفريط مُفَرِّطيهم كحماس.

شرُفت بالثورة فيمن ثاروا على حسني والذين أكثروا فيها الفساد، وغشيت ميادين الفَخار كلها، لا بحولي وقوتي بل بربي، لولا أن منَّ الله علي لخسف بي فيمن بَيَّتَهم عن مكارمها قاعدين، وإني بثورةٍ آتيةٍ دانيةٍ لمن المستبشرين.

أخوك كثير العيوب غزير الذنوب، جهولٌ ظلومٌ، لولا سُبوغ ستر ربي الجميل علي ما عرفني إنسانٌ ولا أحبني حيوانٌ؛ لكني أرجو الله أن يبسط لي في المُزاحَمة بالطاعات فيغفر ويعفو ويتجاوز، وإني أحب الله ورسوله والإسلام وأهله.

أشهد ألا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله؛ ختم المنَّان بها خالصةً لنا أجمعين.

قديمًا كنت أدعو على البراهمة

قديمًا كنت أدعو على البراهمة والمداخلة ومن ماثلهم من عبيد الدنيا وإمائها؛ أن يتسلط الطغاة عليهم، ثم أمسكت عن هذا لأمرين؛ الأول: أن الطغاة مسلطون عليهم تسلطا أعظم من تسلطهم علينا؛ فإن تسلطهم علينا بالرَّهَب لثورتنا عليهم بعزة الإسلام، وتسلطهم على هؤلاء بالرَّغَب لخضوعهم لهم طوعًا واختيارًا، ولم تزل فتنة الرَّغَب أشد من فتنة الرَّهَب عند المؤمنين جميعًا. الثاني: أن تسلط الطغاة عليهم بالرَّهَب شيءٌ يحبونه ويتعشَّقونه، حتى إنهم ليذودون عنهم كلما هتكوا الأعراض وسفكوا الدماء وحبسوا الأحرار، ولم أقل: وحاربوا عقائد الإسلام وشرائعه؛ فإن هذا مما لا يعنيهم في قَبِيلٍ ولا دَبِيرٍ كما يشهد القاصي والداني، فدعاؤنا عليهم بتسلط الطغاة عليهم بالرَّهَب دعاءٌ لهم بالشيء يحبونه ويشتهونه، ويركضون إليه ويطوفون حواليه ويخرُّون للأذقان بين يديه، فلم يبق لنا إلا أن ندعو عليهم جبار السماوات والأرض أن يعذبهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة وفي برازخهم بما يُسْحَتون به ويُدْحَرون، وكفى بالله محيطًا.

سأل سائلٌ: إذا كان حزب

سأل سائلٌ: إذا كان حزب النور والمداخلة ومن أشبهَهم من العبيد يدورون مع الحكام أينما داروا، ويسيرون في أفلاكهم كيفما ساروا؛ فلِمَ لم يكونوا كذلك مع الدكتور مرسي رحمه الله وتجاوز عنه! بل بدَوا أيامه كأنهم من الرجال حقًّا.

جوابه أن الشرط اللاواعي لنفوس هؤلاء في الحاكم المتبوع المطاع؛ أن يكون طاغيةً جبارًا، ومعلومٌ أن الدكتور مرسي -تجاوز الله عنه- كان ضعيفًا رفيقًا، ولو كان عاتيًا مستبدًّا لاتبعوه طواعيةً من قلوبهم اتباعهم للسيسي، ولمَا أعانوا عليه أعداء الداخل والخارج من اليهود والنصارى والعلمانيين كما لا يعينون على السيسي، ولجعلوا الخروج عليه محالًا لذاته كما هو محالٌ لذاته على السيسي.

لم تزل سُنة الضعيف أن يلوذ بقويٍّ؛ لكن الضعيف إذا كان مؤمنًا شريف النفس لاذ بالقوي المؤمن المقسط، وإذا كان فاجرًا مهين النفس لاذ بالقوي الفاجر الغشوم، واذكروا هلافيت الشوارع كيف يتملقون بلطجيتها يقرُب المُراد.

هنا خطابةٌ تزعج الناعمين من

هنا خطابةٌ تزعج الناعمين من طلاب علمهم؛ فليجتنبوها رغدًا.

هذا حرف اعتذارٍ إلى الله والرسول والإسلام؛ لا أريد به إعجاب عاجبٍ.

يا عليمُ اشهد، يا خبيرُ اشهد، يا سميعُ اشهد، يا بصيرُ اشهد؛ كفى بك شهيدًا.

بينما يتخذ نفرٌ هنا من أشباه الناس دينَ الله الأقدسَ لهوًا ولعبًا، يَعبدون أنفسَهم عبادةً خفيةً على أكثركم غيرَ خافيةٍ على الإله المحيط، ويُعَبِّدون عباد الله -حيارى آخرِ الزمان- للقصور تارةً وللقبور تارةً أخرى، لا يبالون بتوحيدهم وعبادتهم ما داموا لأنفسهم الدميمة شاهرين ولذَوَاتهم الخبيثة مظهرين، سوَّد الله في الدُّور الثلاثة وجوههم وأخزاهم وهتَّك أستارهم ومَقَتَهم مقتًا عظيمًا، بينما هم كذلك؛ إذ مرِض شيخٌ جليل القدْر في الإسلام علمًا وعملًا بالكورونا في سجنٍ من سجون مصر الأسيرة بأَسْرها، فاستاقه حكامها الكفرة الفجرة أبناء القردة والخنازير إلى مشرحة موتى بقاهرة أهلها فوضعوه حيًّا بينهم، والله يكتب ما يفعلون.

ذاكم الشيخ “مَدْيَنُ”؛ وليٌّ من أولياء الله الذين هم أولياؤه بحقٍّ بما بسط لهم من شرف مقاتلة أعدى أعدائه في الأرض، أسلمه طواغيت السودان إلى طواغيت مصر منذ مدةٍ، فأداموا حبسه سقيمًا لا يقدر على شيءٍ، وسامُوه سوء العذاب في ظلمات مكاتب التحقيق التي لا نور فيها إلا ما في صدور السادة المعذَّبين، شيخٌ يُعَرِّفه الحُقراء من عبيد هذه الدار النَّكِدَة بأنه جهاديٌّ، وربُّك الله في عليائه فوقَ عرشه وسمائه بريءٌ ورسولُه من دينٍ لا يقاتل أهلُه طواغيت العرب قبل العجم وإنْ بألسنتهم، صَحِبَه الأبرار في العافية وفي البلاء فأشهدَهم الله زهدَه في الدنيا وذُلَّه على المؤمنين وعزَّتَه على الكافرين وعلمًا بالوحيين وفيرًا.

أنجبته السلفية التي ما أنجب أكثرَ مقاتِلة الطواغيت -هذا الزمانَ البئيسَ- مثلُها، فلله الحمد الجميل إليها ولله الحمد الجزيل عليها، كأنما تعتذر السلفية إلى الله عمَّن خرج عنها -على حين غفلةٍ منها- من عبدة الطواغيت الذين يسميهم الناس جاميةً ومداخلةً. فأما صوفية اليوم فأين مقاتِلة الطواغيت منهم في الأرض كلها إلا قليلًا! ألا إن صالحيهم السادة المجاهدين في تاريخ الإسلام -حتى زمانٍ قريبٍ منا- بُرآء منهم حتى يفيؤوا إلى الإسلام الكامل لا يفرِّقون بين شرائعه. أشهد للسلفية بهذا وأنا لا أُعَرِّف نفسي بأكثرَ ولا أعظمَ مما عرَّف الله به المسلمين من وصف الإسلام، حسبي الإسلام نعتًا ونِعْم الثناء؛ توفاني الله عليه وإياكم.

ذاتَ هوانٍ على نفسه؛ كتب أزهريٌّ على صفحته من قريبٍ: حسْب الأزهر شرفًا أنه لم يُخَرِّج تنظيماتٍ إرهابيةً. وبِغَضِّ البصر عن فاضح جهله ومبين غبائه، وما الشيخان الفريدان عبد الله عزام وعمر عبد الرحمن -من رؤوس الإرهابيين لأعداء الإسلام- إلا أزاهرةٌ، وما أبناء الأزهر في صفوف السادة المتطرِّفين إلى ربهم -لا يُحْصَون عدًّا- إلا شهودٌ عليه؛ بَيْدَ أني لما قرأت هذا المنشور الخَسيف؛ ذكرت قول القائل: يُقضَى على المرءِ في أيامِ محنتهِ ** حتى يرى حَسنًا ما ليسَ بالحَسنِ! أوَ هذا مما يباهَى به يا قوم! أفإن لم يُخَرِّج الأزهر مقاتلين للطواغيت -أنجَسِ أهل الأرض وكل كوكبٍ تحت أديم السماء- يفاخِر مسلمٌ بذلك!

يا عباد الله الميامين؛ لا يُشَوِّهَنْ قتالَ الطواغيت في قلوبكم وعقولكم مُشَوِّهٌ فاجرٌ وإن أُشير إليه في علمٍ ببنانٍ، كفلانٍ هنا وفلانٍ وفلانٍ، مهما جلَّت أخطاء المُقاتِلِينَهُم وجمَّت، والله ورسوله ودينه والمسلمون منها خطأً خطأً بَراءٌ؛ لكنَّ تصورات فلاسفة المسلمين والجهمية والمعتزلة والاتحادية والجبرية الفاسدة عن التوحيد لا تُسقط التوحيد، وتجارب الحُكم بالإسلام البشرية المنتسبة إليه في التاريخ القديم والحديث مهما عظُمت أخطاؤها لا تُسقط الحُكم الإسلامي، وما أحدث كثيرٌ من بني الإسلام في أركانه وشعائره من البدع والضلالات لا يُسقط الأركان والشرائع؛ كذلك قتال الطواغيت مهما غَزُرَت خطايا أهله لا يَسقط.

ترون أولئك المظهرين شفقتهم على عامة المسلمين -اليوم- في أخطائهم العقدية والنُّسكية والأخلاقية رُؤَفاءَ حقًّا! لا والله الحَكم الحق خير الفاصلين؛ بل كذبةٌ قُساةٌ مُغْلظون، يتمحَّلون المعاذير لكل ذي بدعةٍ في المسلمين وإن بلغت به حد الزندقة، فإذا أخطأ مقاتلو الطواغيت في نظرٍ أو عملٍ؛ شنَّعوا عليهم بل على الشعيرة نفسها لا يرحمون، ولو كانوا يعادون الطواغيت لم يفعلوا. قتل سيدُنا أسامة بن زيدٍ رجلًا خطأً وهو هو رضي الله عنه، وقتل سيدُنا خالد بن الوليد بني جذيمة وهو هو رضي الله عنه؛ كيف يُظَن بمقاتِلة اليوم وهم المساكين الغرباء! نعوذ بالله من قبول باطلهم، وكم تبرأنا من خطاياهم!

يقصُّون عليكم من روائع قصص الخلافة الراشدة وما تلاها من تجارب الحُكم الإسلامية البشرية ما يقصُّون، وقد علم الله وأولو العلم من عباده أن فيها من الأخطاء النظرية والعملية أنواعًا وكمًّا وكيفًا ما لا طاقة للعدِّ بإحصائه، كلما دنا الزمان من النبوة قلَّت الأخطاء وكلما بعُد كثُرت، لا تستوي الخلافة الراشدة وما أعقبها؛ كيف تظنون بضعفاء اليوم الذين انتهضوا بخالص الانتماء للإسلام ونبيل الهَمِّ لأهله يقاتلون الطواغيت وحدهم! تالله ما شُكرُهم من صادق النسبة إلى الإسلام إلا أن يُسدِّد لهم علمًا وعملًا، وأن يشهد لهم بالجلال ما دام لم يشهد على نفسه بالحَقارة؛ لا أن يسابق طواغيت العالم اللُعَناءَ في البراء منهم.

ربنا ما ثبَّتَّ قلب عبدك مَدْيَنَ على الإسلام؛ لم يضرَّه أذًى في جسده، فداءُ دينِك الأجلِّ جسدُه وروحُه ومثلُ ذلك منا ومن المسلمين جميعًا، كم أكلت الأرض من عافية الناس يا شياطين الحُكم في مصر! إن جنة هؤلاء الذين قاتلوكم في مصر وفي الشام وفي ليبيا وفي غيرها في صدورهم، وإن لهم من ألوان السعادة في بلائهم أضعاف ما عليكم من صنوف الشقاء في عافيتكم، حتى إذا صرنا وإياكم إلى القيامة رجونا غفران الله ورضوانه، وكنتم بحمد الله حَصَبَ جهنم لا يخلف الله الميعاد. واكْبِت اللهم علمًا وطُلَّابَه لا يزيدون عبادك بهذا إلا جهلًا.

يا عليمُ اشهد، يا خبيرُ اشهد، يا سميعُ اشهد، يا بصيرُ اشهد؛ كفى بك شهيدًا.

عن منشور السلفيين والأشاعرة؛ ليس

عن منشور السلفيين والأشاعرة؛ ليس إلا للمُعْتنين بالشأن وكلٌّ على رأسي:

– لم أمْحُ غير تعليقين اشتملا على سبٍّ صريحٍ لي؛ غفر الله لي ولصاحبَيهما وتجاوز عنا أجمعين، ولعل غيرتهما على ما يظُنَّانه حقًّا هي الدافعة لهما على ذلك، ولولا شرف النفس اللائق بآدميتي وإسلامي لم أمْحُهما؛ فإنه يشقُّ على نفسي مَحْوُ تعليقٍ جادت به يمين مسلمٍ في صفحتي إلا في معصية الله.

– أبقيت سائر التعليقات ما لان منها وما غلُظ، مقسمًا بالله أني إلى مخالِفكم أحوج مني إلى موافِقكم، عادةَ المُنَقِّحين الأفكارَ كتبني الله وإياكم فيهم. ذلك.. وإني أُحَرِّج على الأحبة الفظاظة على مخالفٍ مهما فظَّ هو؛ إلا في منكرٍ جَلِيٍّ لا شبهة فيه ولا تأويل، غيرَ متجاوزين فيه مع ذلك مكارم شمائل الإسلام.

– السائلون عن شرك القبور؛ هو “صَرف ما لا يُصرف إلا لله الواحد الأحد؛ من عبادات القلوب أو الجوارح للمقبورين؛ أولياءَ أو غيرَ أولياءٍ”، والمنكرون وجوده إما جهلاء بالتوحيد وإما جهلاء بالواقع وإما جهلاء بهما جميعًا، أو هم من ضالين مضلين يكتمون الحق وهم يعلمون؛ فأولئك عليهم من الله ما يستأهلون.

– المستنبئون عن عِلل السلفيين المنهجية؛ هي دعواهم فقه الدليل، ونبذهم التمذهب، واشتغالهم بكثيرٍ من صور العلوم عن كثيرٍ من حقائقها، وإيثارهم كبارهم المعاصرين على جملة السلف الذين يتبجَّحون بالنسبة إليهم، والتزامهم معيارًا انتقائيًّا في كثيرٍ من اختياراتهم؛ إلا طائفةً منهم تزداد كل يومٍ عددًا.

– الظانون أني أُهَوِّن الخلاف السلفي الأشعري أصولًا فلسفيةً وعقديةً وفروعًا مقاليةً، أو أني جاهلٌ بما يُراد ببعضه من بعضهم؛ هؤلاء لم يقرؤوا كلامي في المسألة كله ولا يلزمهم؛ غيرَ أني أعوذ بجلال الله وجماله أن أنفخ فيه نوعًا أو كمًّا أو كيفًا لأُرضي إخواني السلفيين عني؛ رضوانُ الله أكبر جعلنا الله له أهلًا.

– الذامُّون أخاهم بالعاطفية؛ جنَّب الله الإسلام الذي لا تَنقصه جراحٌ والمسلمين الذين لا يَعُوزُهم تمزقٌ شرَّ حكمتكم، وحفظ علينا عاطفةً نلقاه بها سُعاةً في تطبيب جراح الإسلام بترياق القسط وتطييب أهله بأرائج المرحمة، لا نرى تعارضًا بين إحقاق الحق وبين الإشفاق على الخلق فنرجِّح أحدهما عُورَ البصائر.

– قيل لمحمد بن شمس الدين: تُقايِس بين هؤلاء -وذُكِر له جماعةٌ من السلفيين فيهم محمد سعيد رسلان لعنه الله- وبين الإمام النووي، فكتب بشماله -سخط الله عليها-: “لا يساوي النوويُّ أيًّا منهم”! مِثل هذا يريد مني بعض إخواني الثقة في شيءٍ من أمره؛ فأعِذ اللهم بمَحْض رحمتك عقلي أن يفعل ذا فيَخزى.

– بالعجز أبوء وأُقِرُّ وأعترف للمعتقدين الأشاعرة شرًّا من الطواغيت أو أنهم يُقايَسون بهم في قليلٍ أو كثيرٍ، أنتم الظافرون عليَّ، لا قِبَل لمَكِين جهلي بمتين علمكم ولا طاقة؛ غير أني أستمطر جبار السماوات والأرض على أشياخكم غضبه في الدارين لقاءَ ما علَّموكم ذلك، وأجِرني والمساكين يا ذا الجلال والإكرام.

– أيها المعتقدون التوحيد أقسامًا ثلاثةً وإني منكم؛ توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، وتوحيد الألوهية؛ الطواغيت ينازعون ربكم -كفرةً فجرةً- أقسام التوحيد كلها، ويحاربونه ورسوله ودينه وأولياءه بأنواع الحروب جميعِها، فأما الأشاعرة وغيرهم من طوائف المسلمين؛ فمؤمنون بالله وله يُقدِّسون.

– ألا ساء يومٌ ليتني متُّ قبله فكنت نسيًا منسيًّا أُعرِّف المسلمين بأعدى أعدائهم؛ فإن من المعضلات شرح الواضحات، وكما قال الطُّوفي -رحمه الله- ذاتَ وجعٍ: “هَدْم المهدوم تعبٌ، وتحصيلٌ للحاصل يورث النَّصَب؛ فإن الأمر على ما قال القائل السابق: فأيُّ طلاقٍ للنساءِ الطوالقِ”. بالله الغوث بَقِيَّتُه أَشفى وأَكفى.

– أرأيت كيف أنكر الله على أصحاب محمدٍ صلَّى عليه ورضي عنهم؛ اختلافهم في المنافقين على رأيين يقول لهم: “فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ”! مع أن الاختلاف فيهم سائغٌ بشريًّا من جهة ظهور إسلامهم في عامة أمرهم. ما عسى الله يقول في المختلفين في رُتبة عداوة الطواغيت وهم المُباهون بالكفر وبه يقاتلون!

– ليس السلفيون والأشاعرة الذين أُقرِّب بينهم -بعلمٍ وعدلٍ- على المتفَق عليه من معاقد الإسلام وقواعده؛ هم المستقوِين بطواغيت العرب كالمداخلة من السلفيين، أو بطواغيت العجم كأكابر مجرمي مؤتمر الشيشان من الأشاعرة؛ بل أعادي هؤلاء وأولئك معاداةً واحدةً، تشابهت الخنازير وإنا من كلٍّ متطهرون.

أحلف بالله الحَكم الحق؛ ما

أحلف بالله الحَكم الحق؛ ما ندم حُكم الجاهلية الحديثة على قضاءٍ قضى به ذاتَ سُعُرٍ؛ ندمه على مقتل شهيد حاكمية القرآن “السيد القطب” تقبله الإله ورضي عنه؛ فإن الله أحيا بموته من جُمودٍ وبعث بمقتله من هُمودٍ وأنعش باستشهاده من خُمودٍ، ثم أقسم بالله خير الفاصلين؛ ما عادت مؤسسات الجاهلية الدينية كالأزهر -سلطةً لا طلابًا- ومن لفَّ لفَّهم من عبيد الطواغيت الذين يسميهم الطيبون “مداخلةً” توراة اليهود المحرَّفة وإنجيل النصارى المبدَّل؛ كما عادوا “في ظلال القرآن” للشيخ الإمام؛ فاشهد اللهم عزيزَا ذا انتقامٍ كفى بك شهيدًا.

إلى الأحبة الظانين بي ظن

إلى الأحبة الظانين بي ظن السَّوء؛ أني لطيفٌ رقيقٌ على كل حالٍ وحينٍ، وإلى الأعزة الذين لا يتحملون شدة الخلاف المنهجي بين طرق العمل وطرائقه، وإلى الأجلَّة الذين يتوهَّمونها خناقةً عابرةً في فسحة يومٍ دراسيٍّ بين تالتة رابع ورابعة تالت، إلى هؤلاء البررة جميعًا؛ لا تقرؤوا هذا المنشور.

جُبلت النفوس على النقص، ‍ففيها سعيٌ حثيثٌ إلى الكمال، وابتغاء الكمال في غيرها أيسر من ابتغائه فيها؛ لأن ابتغاءه فيها مكلِّفٌ مجهِدٌ، فأهون منه أن ت‍طلبه في غيرها؛ لذلك تبالغ الكثرة في تجويد صور من تحب، إلى درجة “الحنتفة”، تعتصم بعصمتها! فأيكم ذا نقصٍ فأنا أخوه؛ لا تنشدوا كمالكم فيَّ.

يا أصحابي؛ أمَّا أني ودودٌ رفيقٌ فأرجو الله أن أكون كذلك وأنقى من ذلك، هو بذات صدري عليمٌ، الثناء ثناؤه، جعلني الله عنده زكيًّا، وأمَّا أني أكون كأشباه الرجال أُعشِّش كبُغاث الطير في مناطق رماديةٍ؛ فألوذ بمولاي من خُلقٍ لم يجْبُلني عليه، ولا ربتني والدتي بمثله؛ هذا أخوكم، فاقبلوني أو دعوني.

راجع بعضهم أحمد سالم -جُوزي جزاءَه- فيما قاله في الشيخ حازم غشومًا ظلومًا: “فارغ وفاضي، لا يصلح لإدارة عربية طرشي”، فقال السافل هازئًا: “المرة الجاية هخليها عربية كشري”، وقال الثقيل مستظرفًا: “نخليها لا يصلح لإدارة مؤسسة بيع مخللات، أحسن الصيغة دي”، وقاء السفيه في تعليقاتٍ له برَجيعٍ كريهٍ آخر، وقد كان من قبلُ قال في الشيخ النبيل -حفظ الله مهجته، ونجَّاه وسلَّمه، وغفر له وثبته- أقوالًا خسيسةً كخُلقه؛ نعوذ بالرحمن من مهانة النفس، ومن القِحَة في الجَوْر، ومن الكبر.

لا عجب من سفالة سالم فإنها قديمةٌ، كما لا عجب أن سُبَّ الشيخ؛ فلعل الله لما قطع عنه بعض العمل أراد وصله بكثير الأجر؛ فاحمرَّت لقدْره أنوفٌ أبيةٌ، ولهجت بذكره ألسنةٌ وفيةٌ، وجدَّد الأحرار له رضيَّ العهد؛ جمعنا الله بشيخنا في الدنيا على مفاخر الإسلام، وفي الآخرة في بحبوحة الرضوان.

يا جماعة .. وبالبلدي؛ أنا واحد أرجو ربي -علا وتعالى- إني أكون من ولاد الأصول المتربيين الجدعان، يعرف من صحبني -بحمد الله- كيف أنتفض إذا ظُلم واحدٌ منهم غضبةً لحقه، حلفت يومًا بالله أن أحرق وجه جارٍ لصديقي بماء نارٍ؛ إن أمضى ما توعده به من إبلاغ الطواغيت عنه، وهو أشْيَك جزاء من تعاون مع الطواغيت ضد المؤمنين؛ كيف لا أنتفض غيرةً لحرمة شيخٍ معلَّمٍ معلِّمٍ؟!

إنني -وأعوذ بالله- لا أستطيع الخرس عن إيذاء رجلٍ شابت في الإسلام لحيته، وأيقظ الله ببصيرته أمةً من الناس قلوبًا وعقولًا، وبصَّرهم بالجاهلية ظنِّها وحكمِها وحميتِها، وصدع بمرِّ الحق في وجوه طواغيت البلاد غير خائفٍ في الله لومة لائمٍ، وعرَّف الشبيبة ما عرَّفهم بربهم ونبيهم ومنهاج تحررهم وكرامتهم، وعرض شريعة الله -جلَّ وعزَّ- على عامة الناس عرضًا فائق الجمال والجلال، يوم أخفقت جماعاتٌ ديناصورية الأشكال عن بعض ذلك، بل شوَّهت من عقائد الإسلام وشرائعه ما كفَت به العدوَّ كثيرًا، وصبر الشيخ على كيد الأقربين صبرًا عجبًا، ورأى الشباب فيه أنموذجًا جامعًا لصدق القصد ونقاء الغاية وسداد المنطق وروعة البذل وسماحة الأخلاق، وعطف الله عليه قلوب العامة ما لم يكتب لغيره، ثم سُجن في زنزانةٍ من زنازين العقرب -شوى الله بُناته بالنار في الدنيا والقيامة وبرزخٍ بينهما- وحيدًا فريدًا، مضت عليه بها سنونٌ فما غيَّر الكريم ولا بدَّل، “والفضلُ ما شهدتْ بهِ الأعداءُ”.

ذلك وغيره مما لا يفقهه الساكنون الساكتون المخذِّلون المعوِّقون المبطِّئون المتعجرفون الحمقى؛ فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ وهل تهون العِشرة إلا على أولاد الحرام كما سمعناه من الجنائيين! في السجون كثيرًا؟ أيقال: “فارغ وفاضي، لا يصلح لإدارة عربية طرشي”؛ تلطَّخ بها الطرشجي؟!

ليكن الشيخ ضعيفًا في الإدارة أو فاشلًا فيها، ليكن؛ فوالله وبالله وتالله إن كان كذلك؛ فالفرض اللازم على الفور بيانه للناس كافةً، نصيحةً للإسلام وأهله، وليُستفاد بأخطاء الفاضلين كما يُستفاد بإصاباتهم، وهو نفَس شيخنا نفسِه، لا يمنع من قول الحق فيه سَجنُه ولا غير ذلك؛ ما تكلم به محترمٌ عالمًا عادلًا.

لطالما نُقد الشيخ بين أيدينا وفي هذا الفضاء، فما حرَّكنا ساكنًا، ولا وجدنا في أنفسنا شيئًا على الأحبة الناقدين، وأُعجبنا ببعض هذا مما تجلَّى علمه وعدله، نعرف لأهله فضلهم وأدبهم، أما أن ينال منه مثل هذا الزائغ الوغد المتنفخ بمثل ذلك ونسكت عليه بتهويش المهوِّشين؛ فاللهم لا، اللهم لا، اللهم لا.

يقول بعض رعاع سالمٍ: أنتم تحسدونه؛ أليس دميمًا ذميمًا رميُكم -ككبيركم- كلَّ محذرٍ طريقته وخليقته بالحسد؟! هذا لهٌ حاسدٌ، وذاك عليه حاقدٌ، وكلنا منه منفسنون؟! ذاتَ بؤسٍ رأيت شابًّا يحاوره، فقال: “لقاؤنا اليوم مع الشيخ أحمد سالم؛ مالئ الدنيا وشاغل الناس”! الظن بالشاب اليوم أنه كبُر عنها.

أيها السادة؛ إنه ليس حازم أبو إسماعيل وحده، إنه حطُّ أحمد سالم (أبو فهر السلفي، أبو الأشبال المصري) على تيار مواجهة الطواغيت كله تصريحًا وتلويحًا وما بينهما؛ كتابه القديم “فتاوى العلماء الكبار في الارهاب والتدمير”؛ طعنه على شهيد الحاكمية سيد قطب -تقبله الله- في أفكاره المركزية، وصفه العمليات التي استهدفت أمريكا بالعمليات الإرهابية، قوله بتحريم هذه العمليات مطلقًا مع أن التفصيل والخلاف فيها معلومٌ مشهورٌ، (وكذلك يفعل في عامة مسائل المواجهة المادية للطواغيت، مع تقديمه نفسه -دومًا- واسع الصدر لسائر الخلافات الفقهية)، في كتابه “صورة الإسلاميين على الشاشة” زعم الأثيم حرمة قتل السجين الضابط الذي اغتصبه، “الاستمناء الثوري، الشبق لتحكيم الشريعة، انتظار القذف المنوي”؛ تلك بعض ألفاظه القبيحة في مواجهته المخالفين، وصفه الجهاد السوري بأنه محرقةٌ ونهيه الشباب عنه مطلقًا، يا صديقي؛ “إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ”، وإن بعضه ليس كذلك.

يا أيها الذين آمنوا؛ من وجدتموه يُجْمِل القول في الطواغيت ويفصِّله في مجاهديهم؛ فاتهموه على دينه، كذلك يفعل سالم وبسيوني والمرزوقي ومحمد عبد الواحد وأشباههم، فإذا سئلوا عن ذلك أجابوا إجابة الجامية المداخلة القديمة؛ “فساد الطغاة ظاهرٌ لا يلبس لبوس الدين، وفساد مجاهديهم خفيٌّ يلبس لبوس الدين”، فجَرَت كلمةً يُخرج الله بها أضغانهم، وافصل اللهم بيننا وبينهم؛ وأنت خير الفاصلين.

صدَّقنا سالمًا -والذين ضلوا وأضلوا قبله- في المجاهدين والثوريين والسياسيين، وكفرنا بمواجهة الطواغيت بما يليق بهم أجمعين، والطواغيت وحربهم الإسلامَ وأهلَه أظهر حقائق الوجود النظري والعملي هذا الزمان؛ نبئونا أيها الكذبة كيف تواجهون أنتم؟! وكونوا في بيان ذلك من الصادقين.

يا معشر الأبرار؛ ألا لا يُرهبنكم عن كرامة الذود عن الشيخ الجليل وأمثاله من كباركم الربانيين قولُ جاهلٍ جائرٍ: “أولتراسات .. مجاذيب .. دراويش”، وكونوا أوفياء نبلاء ذوَي مروءةٍ وأصولٍ، كما رباكم آباؤكم لا كما يريد لكم هؤلاء الأنذال، يا إخوتي؛ ليس دواء داء تقديس الرموز البغيَ في إسقاطهم.

لقد تقر عيني بحذر المسلمين من زيف الرموز ومن صنميتهم، ذلك حذرٌ يحبه الله ورسوله، ويرضيان أن يبقى بين أعينكم ما بقيتم، لكنَّ رموزًا خلَّصتها الشدائد ونقَّحتها المِحن؛ حقُّها الصَّون والإكبار.

إن رموز الإسلام -التي هي رموزه- لا تكون إلا صناعةً ربانيةً خالصةً؛ لا حظَّ لطاغوتٍ فيها ولا نصيب لجاهليةٍ منها، قال أحسن الصانعين في كليمه موسى عليه السلام: “وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي”، وقال فيه: “وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي”؛ أولئك المصنوعون لله وعلى عينه الذين لا يتكلفون حركة رؤوسهم -بجَهد نفوسهم- لتصيبها العمائم، كيف وقد فقهوا أن عمائم السماء لا تنزَّل إلا على رؤوس السادة الغافلين؟! قال الله: “وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ”، وقال: “وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ”، وقال: “وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى”؛ وقال: “مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ”؛ سنةَ الله.

ألا فارصدوا مدارج رمزية الرموز ما استطعتم ذلك، ثم انظروا؛ هل أنشأت الجاهلية فيه إنشاءً؟ هل أسس الطاغوت في بنيانه ركنًا؟ فمن وجدتموه كذلك؛ فاطرحوه جانبًا، ودونكم صُنعَ الله صاحبًا.

سيدي حازم؛ أطلق الله جوانحك في رضاه، وجوارحك في فَضاه، وأنعمك بقدره وقضاه، يا حبيبي.