صباح قلوبكم راحةٌ. ما يتعب

صباح قلوبكم راحةٌ.

ما يتعب قلوبنا؟ وما يريحها؟

هذا تعب قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذي راحته.

في الصحيحين عن جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: كان بيتٌ في الجاهلية يقال له: ذو الخَلَصَة والكعبة اليمانية والكعبة الشامية، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ألا تريحني من ذي الخَلَصَة! فنفرت في مائةٍ وخمسين راكبًا فكسرناه، وقتلنا من وجدنا عنده، فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته، فدعا لنا ولأَحْمَس.

قال ابن حجرٍ رحمه الله: والمراد بالراحة راحة القلب، وما كان شيءٌ أتعب لقلب النبي -صلى الله عليه وسلم- من بقاء ما يُشرَك به من دون الله تعالى.

هذا قلب نبيكم؛ لم يتعبه إلا الشرك بالله، ولم يُرِحْه إلا أن تُدمَّر أوثانه.

ألا إن من رضي بمحمدٍ رسولًا؛ أتعب قلبه ما أتعب قلبه، وأراحه ما أراحه.

اللهم أرح قلوبنا بإزالة عروش الطواغيت عربهم وعجمهم قبل لقائك.

المحمود الله الذي بسط لي

المحمود الله الذي بسط لي في العمر والإسلام والعافية؛ حتى أشهد له بالحق في هؤلاء المجرمين تارةً أخرى، وأعوذ بوجهه من الخَرَس في هذا حتى ألقاه.

العلماني النسوي محمد رشيد المُكَنِّي نفسَه أبا قيسٍ؛ يرثي الفاطس عدو الله ورسوله جابر عصفور، ويُزري بالسادة الشامتين في نفوق عدو الإسلام والمسلمين وائل الإبراشي.

لم أعجب من هذا طرفة عينٍ؛ قد سمعته من قبل يثني على طواغيت مصر خيرًا، فأدخِله اللهم مُدخل ممدوحيه، واحشره مع جابر والإبراشي، أنت على كل شيءٍ شهيدٌ وبكل شيءٍ محيطٌ.

العلماني محمد عبد الواحد المُلَقِّب نفسَه الأزهري الحنبلي؛ يرثي البوطي عبدَ بشَّار وأبيه حافظ -خلَّدهما الجبار في لظى نزَّاعَة الشَّوى- ويبكيه، ويزعم الانتصار للأئمة الأربعة -رضي الله عنهم- في فروع الإسلام العملية؛ وهو الخاذلُهم في أصولهم العقدية بموالاته أولياء الطواغيت؛ البوطي في سورية وشيخ الأزهر في مصر، وبترقيعه للقبوريين آناء الليل وأطراف النهار، لا يرى ببيع دينه -في هذه وتلك- بأسًا ما دام ينازل السلفيين شرَّ سُكَّان المَجَرَّة.

يا عباد الله وعُصِمتم من الخزي ما دَقَّ منه وما جَلَّ؛ لا مندوحة عن التمذهب بمذاهب الأئمة الأربعة -رضي الله عنهم- لمُبتغي التفقه في دين الله، ولا مُقَايَسَة بين متمذهبٍ وبين غيره في أبواب الأحكام، ولم يزل التمذهب في دراسة الفقه نظامَ مُتَشَرِّعة الإسلام الأوحد من لدُن أصحاب سيدنا محمدٍ -صلى الله عليه ورضي عنهم- إلى أن يُقبض العلم كله، بالله عِياذًا وإليه لِياذًا.

لكن من وجدتموه يذم أكثر السلفيين بنبذهم التمذهب -وهم بهذا مستحقون الذم لا ريب- ثم هو من عبيد الطاغوت؛ كأسامة الأزهري مستشار خنثى الطواغيت، وكحَمَاه يسري جبر المُرَقِّع له لا شفاه الله، وكمحمد سالم أبو عاصي أرداه الله، وكخالد الجندي وشِلَّته لعنهم الله، وككثيرٍ من الأزاهرة الممكَّن لهم عذبهم الله، أو هو من المُرَقِّعين لمَوالي الطواغيت؛ كمحمد رشيد، ومحمد عبد الواحد، وغلام الجفري؛ فابصقوا عليه وأهينوه حِسبةً لله والإسلام.

إن لم يكن هذا الفصلُ بين قاعدة قواعد الإسلام (الموالاة والمعاداة في الله) وبين فروعه؛ علمانيةً؛ فما العلمانية! ربِّ نجني وأهلي وأصحابي مما يعملون.

سبحان الحي الذي لا يموت

سبحان الحي الذي لا يموت وتبارك!

لا أكثر من أخبار الموت في صفحتي هذه الأيام.

اليوم نقرأ عنهم، وعمَّا قليلٍ يٌقرأ عنا؛ فلا إله إلا الله، واغوثاه ربَّاه.

حقٌّ علي الدعاء لموتاكم أجمعين، وليتني كنت على مواساة كلٍّ بنفسي قادرًا.

اللهم ارحم موتى أحبتي هنا وموتانا أجمعين؛ بأنك أنت الرحمن الرحيم خير الراحمين وأرحمهم ذو الرحمة الواسعة كلَّ شيءٍ السابقةِ غضبَه، واغفر لهم بأنك أنت الغافر الغفور الغفار خير الغافرين، واعف عنهم بأنك أنت العفوُّ الذي يحب العفو، ونوِّر قبورهم بأنك أنت نور السماوات والأرض حجابُك النور، وافتح لهم إلى الجنة أبوابًا بأنك أنت الفتاح ما تفتح من رحمةٍ فلا مُمسك لها، واشكر لهم يسير العمل بأنت الشاكر الشكور، واربط على قلوب أهليهم ومحبِّيهم ليكونوا من المؤمنين، واجمعهم بهم وإيانا بمن نحب في جنات النعيم؛ لا إله إلا أنت.

اللهم إني أختص بالضراعة إليك عبدَك الشيخَ الكريمَ موسى القرني قتيلَ طواغيت السعودية -لعنتَهم وأمكنتَ منهم- في محبسه بعد خمسة عشر عامًا، وعبدَك الشيخَ محمد حافظ المصريَّ مولدًا الشاميَّ مهاجَرًا المجاهدَ في سبيلك ميِّتَ كورونا؛ فاستجب فيهما دعائي ودعاء كل داعٍ لهما بغفرانك ورضوانك، وتوفَّنا برحمتك على الإسلام أجمعين، غير خزايا -ربَّنا الحفيظَ- ولا مفتونين.

اللهم إنا نسألك لذَّة النظر

اللهم إنا نسألك لذَّة النظر إلى وجهك الأكرم في فردوسك الأعلى خالدين في رضوانك الأكبر أبدًا، فإن قلت لنا: بأي شيءٍ من أعمالكم تسألوني هذا كلَّه وقد علمتم أني أعددته لأنبيائي وأوليائي! فجوابنا إن أذنت لنا بالجواب: لا بشيءٍ من أعمالنا نسألك هذا، وهل أعمالنا إلا ما أحصيت من الخطايا موجبات الخرَس والخجل! إنما نسألك هذا بعقيدةٍ أرسخَ من الرواسي الشامخات الأوتاد في ثلاثٍ؛ رحمتِك بنا وقدرتِك علينا وغناك عنا، ثم أنا نحب أنبياءك وأولياءك هؤلاء ونحب أحبابهم ونعادي أعداءهم، لولا ذاك ما خطر لنا على قلبٍ سؤالُ شيءٍ من هذا، وكيف لفقراء البواطن والظواهر أن يفعلوا! فإن لم تستجب لنا ربَّنا؛ فهو بعض ما نستحق من عدلك المقدَّس غيرَ ظالمٍ لنا ولك الحمد؛ لكن ستحرق النار أجسادنا الواهنة ونذلُّ ونخزى، وإن استجبت لنا ربَّنا؛ فلا جديد منك، إنْ هو إلا كمالُ ما عوَّدتناه من فضلك ورأفتك ورحمتك ومَنِّك وبِرِّك وإحسانك وجبرك وكرمك وتمامُه ولك الحمد، ولنُحَدِّثن أنبياءك وأولياءك يومئذٍ عنك حديث المحروم عن سيده الذي أغناه، وحديث الكسير عن مولاه الذي جبره، وحديث الذليل عن ربه الذي أعزه، نثني عليك في دارٍ ليس كمثلها دارٌ بمحامد ليس كمثلها محامد، أنت الله الذي ليس كمثلك شيءٌ تسكبها على ألسنتنا ثناءً منهمرًا.

لئن نسي عقلي كل سؤالٍ

لئن نسي عقلي كل سؤالٍ سُئلته؛ فمحالٌ أن ينسى قلبي هذا السؤال:

أمي لا تستطيع القراءة، وهي تحب القرآن، فكلما أرادت تلاوته فتحته فجعلت تقلِّب صفحاته، وتمسح بيمينها صفحةً صفحةً من أعلاها إلى أدناها؛ فما الحكم؟

الحُكم أن تأخذ والدتك علمنا بالقراءة، وتعطينا من حبها للمقروء له.

هذا سؤالٌ جوابه الدمع إن ضَنَّ الدم، كسؤالٍ سُئلته من مقاتلٍ بالشام: لا أستطيع مع شغلي بالقتال وخدمة إخواني مراجعة القرآن كما كنت؛ فما أصنع؟

يا أولياء الله؛ إني لأُنَزِّه سؤالاتكم عن قراءة مثلي لها؛ كيف بجوابها!

شهيدٌ أنت يا مولاي حالي.

شهيدٌ أنت يا مولاي حالي.

عاجزٌ عن الكلام عجزي عن الصمت.

اليوم حطَّت رحالَها في أول منازل الآخرة أمُّنا.

أوَ مَن نُشِّئ في إجلالكِ يا خالة؛ كمن لم يُنَشَّأ! لا يستويان.

أمُّ الدعوة أمُّ يحيى، ما الخالة أمُّ يحيى! وما أدراكم ما الخالة أمُّ يحيى!

الشيخة الجليلة، البرَّة النادرة، السيدة الكاملة، العارفة العابدة، المحسنة الجوَّادة، ذات الفضائل والفواضل، الداعية إلى ربها، الصابرة على أنواع البلاء وألوان الشدائد وصنوف المِحَن، زوج شيخ الدعوة رفاعي سرور، أمُّ يحيى المفكر الأسير، وعمر المجاهد الشهيد، وياسر الداعية المطارَد، والأخوات النبيلات نفوسًا وأخلاقًا، حماة خالد حربي المناضل الأسير، جدة ولدنا عبد الله بن عمر الأسير، حماة زوج عمر المهاجرة المخطوفة وطفلَيها مهاجرةً في سبيل الله، صاحبة أمي.

فلو كل النساء كمثل هذي! كم سبق رجالًا إلى الله نسوةٌ! كم حقَّت بالصالحات القانتات الأُسوة! عسى الله أن يُنَعِّم روحكِ -يا خالة- بلُقيا أرواح آسية بنت مزاحمٍ، ومريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلدٍ، وفاطمة بنت محمدٍ، وعائشة بنت أبي بكرٍ؛ فإن سبيلكن واحدةٌ وإن تفاوتت الدرجات، وإن الرب إذا أعطى أدهش، وإذا رضي فما لنَوَاله حدٌّ ولا لحُلْوَانه منتهًى، ووعدُه غرباءَ آخر الزمان أوفى.

كم حدثتني والدتي من أخبار أختها الكبيرة في سبعينيات القرن الماضي! وكم قصَّ لنا الشيخ من ذلك قصصًا! فابسُط اللهم لي في إسلامي وقوَّتي ووقتي؛ لأبسط لعبادك ما عساه يثبت قدمي وأقدامهم على صراطك السَّوي.

ذي ليلتُك الأولى في جَدَثك الشريف حبيبتنا؛ فاملأه اللهم غفرانًا ورضوانًا ومِن كل ما بين الغفران والرضوان من رحمةٍ وبركاتٍ، واجعل بطانته نورًا يضيء لها إلى يوم البعث غير مقطوعٍ، وآنسِها بإيناسك الحق فلا تستوحش فيه أبدًا، واترك عليها في الآخرين بلسان صدْقٍ في عبادك المؤمنين، واجزها عن روائع الصبر وبدائع البذل بأحسن إحسانك في أحسن عبادك أنت أحسن المحسنين.

ما على الأرض أن تميد الليلة وقد زالت عنها من الشامخات راسيةٌ، وإنما أولياء الله حُفَّاظ الأرض، وليس السائر على الماء أو الطائر في الهواء بأولى من الصابرين على اللأواء في سبيل دين ذي الكبرياء؛ فعوِّض الأرضَ ربَّها.

تحسبون هذا الحرف في المرأة ذا إفراطٍ وغُلَوَاء! فهو -وحقِّ من لا يعلم أقدار عباده على الحقيقة إلا هو- حرفٌ قاصرٌ لا شافٍ ولا كافٍ ولا وافٍ، وعلى أرائكَ مرجوَّةٍ في فردوس ربنا الأعلى حديثٌ تامٌّ ذو شجونٍ يليق بها وينبغي لها، وعن أمثالها من المصطفَين الأخيار؛ فاجعله اللهم ربنا كذلك وأزكى من ذلك.

ألَسَنا شهداءك اللهم في خلقك! فنحن شهودٌ لأَمَتك بما أشهدتناه من متين الديانة ومكين المكارم؛ فاجعل جزاء حسناتها وسيئاتها مغفرتَك غَفَّارًا وعفوَك عَفُوًّا؛ فإن ذلك منك أجملُ الثواب وأجزلُه، واجمع بين روحها وبين روح زوجها وولدها ومن سبقها إليك من أهلٍ وأحبابٍ؛ سبحانك يا أحَنَّ الجامعين.

يا آل رفاعي سرور؛ ما كان محبٌّ لكم اليوم أولى بالتنافس في كرامة حمل النعش المطيَّب مني. حرَم الله الطواغيت رحمته كلها جزاءَ ما يحولون بيننا وبين هذي المفاخر، وجمعني بشاهدكم وغائبكم على مباهج الإسلام غير خزايا ولا مفتونين، ثم في مقعد صدْقٍ عنده مليكًا مقتدرًا، وأفرَغ على أفئدتكم فارغاتٍ صبرًا جميلًا. أنتم للصبر أهلٌ بمددٍ من الله، إن لم تمت والدتكم قبلكم متم أنتم قبلها، وانْصَبُوا فيما بقي لكم من برِّها، واعملوا لجنةٍ ترجونها خيرٍ مستقرًّا وأحسنَ مقيلًا. ما أفقر الشيخة إلى صالحاتكم وأغناها عن أحزانكم! واحتسبوا.

الحمد لله الحي القيوم، إنا له وإنا إليه راجعون، منه الجَبر وعليه العِوض.

هنا خطابةٌ تزعج الناعمين من

هنا خطابةٌ تزعج الناعمين من طلاب علمهم؛ فليجتنبوها رغدًا.

هذا حرف اعتذارٍ إلى الله والرسول والإسلام؛ لا أريد به إعجاب عاجبٍ.

يا عليمُ اشهد، يا خبيرُ اشهد، يا سميعُ اشهد، يا بصيرُ اشهد؛ كفى بك شهيدًا.

بينما يتخذ نفرٌ هنا من أشباه الناس دينَ الله الأقدسَ لهوًا ولعبًا، يَعبدون أنفسَهم عبادةً خفيةً على أكثركم غيرَ خافيةٍ على الإله المحيط، ويُعَبِّدون عباد الله -حيارى آخرِ الزمان- للقصور تارةً وللقبور تارةً أخرى، لا يبالون بتوحيدهم وعبادتهم ما داموا لأنفسهم الدميمة شاهرين ولذَوَاتهم الخبيثة مظهرين، سوَّد الله في الدُّور الثلاثة وجوههم وأخزاهم وهتَّك أستارهم ومَقَتَهم مقتًا عظيمًا، بينما هم كذلك؛ إذ مرِض شيخٌ جليل القدْر في الإسلام علمًا وعملًا بالكورونا في سجنٍ من سجون مصر الأسيرة بأَسْرها، فاستاقه حكامها الكفرة الفجرة أبناء القردة والخنازير إلى مشرحة موتى بقاهرة أهلها فوضعوه حيًّا بينهم، والله يكتب ما يفعلون.

ذاكم الشيخ “مَدْيَنُ”؛ وليٌّ من أولياء الله الذين هم أولياؤه بحقٍّ بما بسط لهم من شرف مقاتلة أعدى أعدائه في الأرض، أسلمه طواغيت السودان إلى طواغيت مصر منذ مدةٍ، فأداموا حبسه سقيمًا لا يقدر على شيءٍ، وسامُوه سوء العذاب في ظلمات مكاتب التحقيق التي لا نور فيها إلا ما في صدور السادة المعذَّبين، شيخٌ يُعَرِّفه الحُقراء من عبيد هذه الدار النَّكِدَة بأنه جهاديٌّ، وربُّك الله في عليائه فوقَ عرشه وسمائه بريءٌ ورسولُه من دينٍ لا يقاتل أهلُه طواغيت العرب قبل العجم وإنْ بألسنتهم، صَحِبَه الأبرار في العافية وفي البلاء فأشهدَهم الله زهدَه في الدنيا وذُلَّه على المؤمنين وعزَّتَه على الكافرين وعلمًا بالوحيين وفيرًا.

أنجبته السلفية التي ما أنجب أكثرَ مقاتِلة الطواغيت -هذا الزمانَ البئيسَ- مثلُها، فلله الحمد الجميل إليها ولله الحمد الجزيل عليها، كأنما تعتذر السلفية إلى الله عمَّن خرج عنها -على حين غفلةٍ منها- من عبدة الطواغيت الذين يسميهم الناس جاميةً ومداخلةً. فأما صوفية اليوم فأين مقاتِلة الطواغيت منهم في الأرض كلها إلا قليلًا! ألا إن صالحيهم السادة المجاهدين في تاريخ الإسلام -حتى زمانٍ قريبٍ منا- بُرآء منهم حتى يفيؤوا إلى الإسلام الكامل لا يفرِّقون بين شرائعه. أشهد للسلفية بهذا وأنا لا أُعَرِّف نفسي بأكثرَ ولا أعظمَ مما عرَّف الله به المسلمين من وصف الإسلام، حسبي الإسلام نعتًا ونِعْم الثناء؛ توفاني الله عليه وإياكم.

ذاتَ هوانٍ على نفسه؛ كتب أزهريٌّ على صفحته من قريبٍ: حسْب الأزهر شرفًا أنه لم يُخَرِّج تنظيماتٍ إرهابيةً. وبِغَضِّ البصر عن فاضح جهله ومبين غبائه، وما الشيخان الفريدان عبد الله عزام وعمر عبد الرحمن -من رؤوس الإرهابيين لأعداء الإسلام- إلا أزاهرةٌ، وما أبناء الأزهر في صفوف السادة المتطرِّفين إلى ربهم -لا يُحْصَون عدًّا- إلا شهودٌ عليه؛ بَيْدَ أني لما قرأت هذا المنشور الخَسيف؛ ذكرت قول القائل: يُقضَى على المرءِ في أيامِ محنتهِ ** حتى يرى حَسنًا ما ليسَ بالحَسنِ! أوَ هذا مما يباهَى به يا قوم! أفإن لم يُخَرِّج الأزهر مقاتلين للطواغيت -أنجَسِ أهل الأرض وكل كوكبٍ تحت أديم السماء- يفاخِر مسلمٌ بذلك!

يا عباد الله الميامين؛ لا يُشَوِّهَنْ قتالَ الطواغيت في قلوبكم وعقولكم مُشَوِّهٌ فاجرٌ وإن أُشير إليه في علمٍ ببنانٍ، كفلانٍ هنا وفلانٍ وفلانٍ، مهما جلَّت أخطاء المُقاتِلِينَهُم وجمَّت، والله ورسوله ودينه والمسلمون منها خطأً خطأً بَراءٌ؛ لكنَّ تصورات فلاسفة المسلمين والجهمية والمعتزلة والاتحادية والجبرية الفاسدة عن التوحيد لا تُسقط التوحيد، وتجارب الحُكم بالإسلام البشرية المنتسبة إليه في التاريخ القديم والحديث مهما عظُمت أخطاؤها لا تُسقط الحُكم الإسلامي، وما أحدث كثيرٌ من بني الإسلام في أركانه وشعائره من البدع والضلالات لا يُسقط الأركان والشرائع؛ كذلك قتال الطواغيت مهما غَزُرَت خطايا أهله لا يَسقط.

ترون أولئك المظهرين شفقتهم على عامة المسلمين -اليوم- في أخطائهم العقدية والنُّسكية والأخلاقية رُؤَفاءَ حقًّا! لا والله الحَكم الحق خير الفاصلين؛ بل كذبةٌ قُساةٌ مُغْلظون، يتمحَّلون المعاذير لكل ذي بدعةٍ في المسلمين وإن بلغت به حد الزندقة، فإذا أخطأ مقاتلو الطواغيت في نظرٍ أو عملٍ؛ شنَّعوا عليهم بل على الشعيرة نفسها لا يرحمون، ولو كانوا يعادون الطواغيت لم يفعلوا. قتل سيدُنا أسامة بن زيدٍ رجلًا خطأً وهو هو رضي الله عنه، وقتل سيدُنا خالد بن الوليد بني جذيمة وهو هو رضي الله عنه؛ كيف يُظَن بمقاتِلة اليوم وهم المساكين الغرباء! نعوذ بالله من قبول باطلهم، وكم تبرأنا من خطاياهم!

يقصُّون عليكم من روائع قصص الخلافة الراشدة وما تلاها من تجارب الحُكم الإسلامية البشرية ما يقصُّون، وقد علم الله وأولو العلم من عباده أن فيها من الأخطاء النظرية والعملية أنواعًا وكمًّا وكيفًا ما لا طاقة للعدِّ بإحصائه، كلما دنا الزمان من النبوة قلَّت الأخطاء وكلما بعُد كثُرت، لا تستوي الخلافة الراشدة وما أعقبها؛ كيف تظنون بضعفاء اليوم الذين انتهضوا بخالص الانتماء للإسلام ونبيل الهَمِّ لأهله يقاتلون الطواغيت وحدهم! تالله ما شُكرُهم من صادق النسبة إلى الإسلام إلا أن يُسدِّد لهم علمًا وعملًا، وأن يشهد لهم بالجلال ما دام لم يشهد على نفسه بالحَقارة؛ لا أن يسابق طواغيت العالم اللُعَناءَ في البراء منهم.

ربنا ما ثبَّتَّ قلب عبدك مَدْيَنَ على الإسلام؛ لم يضرَّه أذًى في جسده، فداءُ دينِك الأجلِّ جسدُه وروحُه ومثلُ ذلك منا ومن المسلمين جميعًا، كم أكلت الأرض من عافية الناس يا شياطين الحُكم في مصر! إن جنة هؤلاء الذين قاتلوكم في مصر وفي الشام وفي ليبيا وفي غيرها في صدورهم، وإن لهم من ألوان السعادة في بلائهم أضعاف ما عليكم من صنوف الشقاء في عافيتكم، حتى إذا صرنا وإياكم إلى القيامة رجونا غفران الله ورضوانه، وكنتم بحمد الله حَصَبَ جهنم لا يخلف الله الميعاد. واكْبِت اللهم علمًا وطُلَّابَه لا يزيدون عبادك بهذا إلا جهلًا.

يا عليمُ اشهد، يا خبيرُ اشهد، يا سميعُ اشهد، يا بصيرُ اشهد؛ كفى بك شهيدًا.

“لن تُفتح المساجد إلا بعد

“لن تُفتح المساجد إلا بعد ذَهاب الوباء”؛ ما قولُ كُهَّان الطاغوت -شَوَتْ نَزَّاعَةُ الشَّوَى لُحومَهم وكَوَتْ عظامَهم- ذلك؛ إلا زيادةٌ في الكفر، وَعَى هذا الوَاعُون، واستهبل عنه المستهبلون، وقُتل الدَّجَّالون.

سيقول معاتيه الناس: ما براهينكم الشرعية على إِمْرَاقِ رؤسائنا وأشياخنا؟ لا تجيبوهم؛ لقد بات الحُكم على الطواغيت وكُهَّانهم وسائر أوتادهم حُكمًا حِسِّيًّا عقليًّا، من عَدِمَه لم يُخاطَب بالشريعة أصلًا.

إن بين اجتناب المسلمين صورة الاجتماع في الجُمعة والجماعات المعهودة، وصورة منعهم منها على كل وجهٍ؛ صورةً يعرفها كُهَّان الطواغيت بما علَّمهم الله في شريعته؛ لكنه إفراد الطاغوت بالتأمين.

لا يحاذر الطاغوت اليوم إلا نقصانَ رهبة الناس منه بزيادة رهبتهم للإله الحق الذي له الرَّهَبُوتُ طَوْعًا واختيارًا؛ بعدما أشهدهم -سبحانه وتعالى- من جلال قادِريَّته وقاهِريَّته ما أشهدهم، والكُهَّان ضامنوه.

هل أتتكم أفاعيل ضِباع الطاغوت الضارية المُلَقَّبَة “الأمن الوطني”؛ منذ نشط في مصر “كورونا”! غَشَوا بيوتًا ما أفاق أهلوها من غَشَيان موتٍ قريبٍ بعدُ؛ ليُبلِّغوا رسالة العَرْص: “أنا أنا لم أزل أنا”.

لم لا يجتمع أهل الإسلام على آخر عُرْوَةٍ من عُرَاهُ لم تُنقَض .. في آخر حصنٍ من حصونهم لم يُهدَم .. على نحوٍ معيَّنٍ يُبصَّرون به ويُعانُون عليه! وإن أهل الصلوات لَأَلْيَنُ أهل الأرض بمألوف التذلُّل لله.

شارعٌ واحدٌ في كل حيٍّ يجتمع فيه المسلمون على جُمعاتهم وجماعاتهم متباعدين بالقدْر الذي يتوقَّون به الوباء؛ ليس هذا بِدْعًا من الرأي؛ بل فعله مسلمون حولنا رأيناهم؛ لكن لم يزل اجتماعنا مرعبًا.

كثيرةٌ سهلةٌ هي الحُلول لمن كان بالله مؤمنًا ولشعائر دينه معظِّمًا؛ لكن الإيمان بالجاهلية لم يُبق في عقولهم محلًّا لتفكيرٍ في مصلحةٍ للإسلام، إنما حُلولهم لأقسام الشرطة، وجميع ما ألهى عنهم الناس.

يخشون تفشِّي الوباء في اجتماع أهل الله! ماذا عن اكتظاظ السجون بأهلها! فليُخرجوا من قرَّبتهم أعمارُهم من قبورهم ومن خرَّبت أمراضُهم جُسومَهم حتى لم يَبق فيهم شيءٌ لشيءٍ؛ لو كانوا صادقين.

صلاح معاش الناس بصلاح نفوسهم، وصلاح نفوسهم بحفظ عقائدهم وشرائعهم؛ لم لا تُنظَّم أمور دين الناس كما يُنظَّم لهم كثيرٌ من أمور دنياهم، أو يُترَكون فوضى في دينهم كما يُترَكون في سائر دنياهم!

هذا سؤالٌ ليس إليهم؛ وهل يسأل عاقلٌ عدوَّه: لم تقبض في منافعي ومصالحي وتبسط في مضارِّي ومفاسدي! إنما هو لك؛ ليقضي على بقايا العقل الإخواني والسلفي وأشباههما في رأسك، والله قديرٌ.

أيها المُتَمَحِّلون المعاذير للطغاة في مسارعتهم في إيصَاد مساجد الله، وأنتم على خذلانهم الناسَ في نكبة السيول الأخيرة شهودٌ؛ إن بيننا وبينكم ميقات يوم الفصل، أو يُعَجِّل الدَّيَّانُ لنا قبل بلوغه تأديبَكم.

هنا قرأت تساؤلًا مسكينًا لرجلٍ مسكينٍ حسبته للحظةٍ هبط على كوكب الأرض بطبقٍ طائرٍ من كوكبٍ مجاورٍ؛ يقول: أين المؤسَّسات الدينية من أنواع المحرمات التي تعصِف بآخرة الناس لا بدنياهم!

يا أخا العجب؛ إنما هي حرامٌ في ديني ودينك، أما في دين هؤلاء ففرائضُ يجب أن يُعان الناس عليها، وإنما الحرام الأوحد عندهم أن يخطُر لإنسانٍ على قلبٍ الخروجُ على مولاهم الذي يتولَّونه ويتولَّاهم.

يا أصحاب الرسالة؛ ستعيشون وتموتون ولن تسمعوا لثالوث الأزهر (الشيخ والمفتي والوزير) كلمةً يتيمةً في صُنوف الطغيان الواقع عليكم بإسلامكم الكامل الشامل؛ فاكفروا بهم كما لم يؤمنوا بكم قطُّ.

لم أجد في صدري على القوم -حين أوصدوا بيوت الله أن يُذكَر فيها اسمُه- شيئًا جديدًا؛ فذلك مقتضى الكفر والحربية، وكما قلت لكم: كُفر الرِّدَّة أغلظ بالإجماع من الكفر الأصلي؛ كيف بمَرَدَة المرتدين!

إنما الذي وجدت في حلقي من المرار، وفي نفسي من القرف؛ فعَلى فلانٍ الذي يزعم لنفسه بفتنة طَبَّاليه -هنا- المشيخة؛ ذلك الذي لم أزل أستشنع طَراوته من قديمٍ كما يَستشنع الرجل شِبْهَ ذَكَرٍ إذا تَثَنَّى.

لا الحقَّ ينصر ولا الباطلَ يَكسر في كل داهيةٍ تفرض فرقانَ الله بنفسها على كل موحِّدٍ تضطرم نيران الغيرة على الإسلام في فؤاده، ينعته طَبَّالوه بالحكمة التي حُرِمَها السفهاء المتطرفون أمثالُنا؛ إِتْفُو.

ذاتَ برودةٍ سالفةٍ منه؛ وجدتني أقول: ربِّ إن لم تَسبق لي منك الحُسنى في دنياي، فسلَّطتَ علي بآثامي عدوًّا يكيد لي؛ فاجعله رجلًا أتبصَّر في الكيد رُجولته، لا مخنثَ غيرَ ذي مَفاصلَ فأكون من المعذَّبين.

هرول البارد -فيمن هرول من التُّعساء- ليؤكد رُجحان إغلاق المساجد عقب إعلان الطواغيت ذلك، كأن الكفرة الفجرة حُرَصاءُ على سلامة المسلمين أن تُثْلَمَ في بيوت الله! وإنما هرولته خزيٌ وخذلانٌ.

لماذا أغلقوا المساجد سراعًا وأضرُّ منها مفتوحٌ أو بينَ بينَ! لأن أَوْطَى جدارٍ عند هؤلاء -منذ كانوا إلى يوم لا يكونون- جدار الإسلام لو كان له في عيونهم جدارٌ؛ أغلِق يا ذا الانتقام عليهم أبواب كل رحمةٍ.

أما الكلب العقور الفارُّ من السلفية يُنزل أهلها منزلة أكفر الملحدين، فيَجْلِبُ عليهم بخَيله ورَجله يقظانَ نائمًا وما بينهما، ثم يَرفق بالطواغيت إذ يحضُّهم على السماح بصلاة الجمعة فيُسمِّيهم ولاة الأمور.

لم أعجب من هذه، ولا من خُنوثته مع كاهن الأزهر الأكبر من قريبٍ أيام طار الناس بفارغته الجَوفاء كل مطيرٍ، ولا من تَرَضِّيه عن البوطي الذي فَطَسَ في نفاق الملعون ابن الملعون بشارٍ أحرقهم الله.

كلما تعوذتَ بالله من شر “كورونا”؛ فتعوذ به من شر طالب علمٍ جُعلت هزيمته النفسية بين عينيه، همُّه وهمتُه -في كل مفاصلةٍ- أن يقول للغالبين: إني قريبٌ منكم أقول ما تقولون؛ سلفيًّا كان أم أزهريًّا.

لقد مضت سُنة الله غير متبدِّلةٍ ولا متحوِّلةٍ؛ “من فرَّط في ولائه أدَّبه الله في برائه”، وكم والله أبصَرْنا حتى أقصَرْنا وسمعنا حتى وَجِعنا! لا يزيد عبدٌ في معاداة المؤمنين إلا زاده الله في موالاة الكافرين.

هي فتنٌ يُرَقِّق بعضُها بعضًا يا عباد الله؛ فتزوَّدوا لها بتجريد التوحيد وحَسن التعبُّد وبالمرحمة، وتفقَّهوا -وإنْ بالسؤال- فما نجا من فتنةٍ أخو جهلٍ بل يَضل ويُضل معه؛ بك اللهم العصمةُ وتوفَّنا مسلمين.

يا فرِحًا بالثبات كلما زاغ الزائغون؛ نحن قومٌ مستورون بغِلالَةٍ رقيقةٍ اسمُها “عافية الله”، من آخذَه الله بما يستحق لم يَبق تحتها مستورًا؛ أفلح من نسج للبلاء في زمان العافية ثوبًا من متين الإيمان سِتِّيرًا.

إغلاق المساجد شرٌّ مستطيرٌ، شرٌّ مستطيرٌ إغلاق المساجد، لكل أجلٍ كتابٌ، ولكل سافرةٍ حِجابٌ، وإني أعوذ بمعافاة الله أن تستحيل الظنونُ في مُرتقَب الأمور يقينًا؛ أنجِحِ اللهم بُشْراك وخيِّب نُحُوسَنا.

دَخِيلتي أهتكها لكم: أنا أحب “كورونا”؛ لم ولن يفعل بنا ما يفعل الطواغيت؛ بل يصيب منهم قليلًا وإن أصاب منا كثيرًا؛ لكن موتانا به في الجنة برحمة الله، وفَطَسَاهم به في النار بعزته، وسلِّم يا حقُّ.

“قائد النصر”، “لقد انتصر الأسد”؛

“قائد النصر”، “لقد انتصر الأسد”؛ بعض لافتاتٍ تكتظُّ بها شوارع دمشق الحبيبة السليبة.

أمَا وربِّ الحُرَم؛ لو أن الله أخلى كتابه وسنة نبيه جميعًا من ذمِّ الجاهلية؛ لقامت حجته -تعالى- فيها على كل من ذاق آثار (ظنِّها وحُكمِها وحميَّتِها وتبرُّجِها)؛ تامةً لا لَبْسَ فيها من وجهٍ واحدٍ.

الأعراض التي انتهكت، الدماء التي سُفكت، جهنمُ الشام التي أُوقدت على أهلها بغير حقٍّ إلا أن يقولوا: ربنا الله، كل ذلك، وأعمُّ منه وأطمُّ؛ لأجل حكم فردٍ واحدٍ؛ ليقال: ظَفَر ابن غير أسدةٍ لَبُؤًا.

إحصاءاتهم تقول: قُتل أربعمائة ألفٍ أو يزيدون، وسُجنت ألوفٌ مؤلفةٌ، وملايين هجرت الأرض بعد خرابها؛ وملايين يطلبون اللجوء إلى بلادٍ أخرى، وللسماوات صادقاتٍ إحصاؤها وعدُّها.

ما كان على أبالسة نظام الجاهلية العالمي من بأسٍ؛ إذا سمحوا للثائرين أولَ الأمر ببعض ما كانوا يبتغون؟! وتالله ما خطر لهم -وقتئذٍ- غير إزاحة “فردٍ واحدٍ” على بالٍ، ولا طاف لهم بخيالٍ.

لكن لتُعَلَّم الشعوب الأدب مع طواغيتهم، وليلعنوا جهادهم، وليتماهَوا في عبوديتهم رغبًا في رهبٍ، ورهبًا في رغبٍ، وليُبَلِّغ شاهدُنا غائبَنا وكبيرُنا صغيرَنا وحيُّنا ميتَنا معنى “الثورة” وجزاءها.

الله أعلم بمآلات الأمور، لا نقول فيها ما يقول مأفون ابنُ ملعونٍ، وليست الكلمة الأخيرة لأمريكا ولا روسيا ولا إيران؛ بل لله فعَّالًا لما يريد، يبدئ كما يشاء ويعيد، ذو العرش المجيد، له الحكم.

يا أيها الذين آمنوا بالله والإسلام؛ هذا حكم الشيطان والجاهلية، “وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ”، لقد كنت أتلو قول الله -علا وتعالى-: “إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَآءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ”، فأعجب أشد العجب! إن يظفروا بنا يكونوا لنا أعداءً! أليسوا ببالغ العداوة حاربونا؟! كأن الله يقول: ما قبل تمكُّن عدوكم منكم شيءٌ، وما بعده شيءٌ آخر، جلَّ نعم المولى؛ لم يكتمنا في عدونا حديثًا.

يا حُماة الدين؛ من لم يستطع منكم ثأرًا من لُقطاء الزرائب؛ فمما أخرج الله من بين أصلابكم والترائب، أعدُّوهم لأعدائكم، وليرثوا منكم عداوتهم والبغضاء؛ حتى يبلغوا فيهم مشافي الصدور.

اربحوا “الولاء والبراء” عقيدةً تستحوذ على قلوبكم إذا قلَّت في عيونكم المرابح؛ الولاء للمسلمين كلهم على عُجَرِهِم وبُجَرِهِم، والبراء من الكافرين كلهم دانيهم قبل قَصِيِّهم، وكفى به ربحًا.

لكُم “جلاء الحق في أنفسكم فوق جلائه في نفسه” مغنمًا من ربكم؛ لا نصر يرتقب مجاهدًا إذا تردد بين خنادق الطهر وفنادق العهر؛ كما لا دار بين الجنة والنار تنتظر المذبذبين بين سبيليهما.

“التحرر من قبضة النظام العالمي”؛ هذا هو الإسلام عقيدةً وشريعةً؛ عقيدةٌ تشترط في قواعد توحيدها النفي قبل الإثبات، وشريعةٌ تشترط في بنيان أحكامها الإزاحة قبل الإحلال، ومهما تكن غايةً بعيدةً في العَيَان؛ فإنه يجب حفظها منهجًا في الأذهان، وأن تُوقف جهودُ النظر والعمل في دروبها

لسنا بالأغرار تُدهشنا فُجاءات الحروب؛ بل نعلم أنه الجهاد؛ مذ كان برضاء الله إلى يوم لا يكون بسخطه؛ دماءٌ وأشلاءٌ، أسرٌ وجرحٌ، دفعٌ وطلبٌ، نقضٌ وبناءٌ، تفريطٌ وغلوٌّ، نورٌ وعَمَايةٌ، كرٌّ وفرٌّ، حقٌّ وباطلٌ ومحتمَلٌ بينهما، غالبٌ ومغلوبٌ، حيث يتداخل الدينيُّ والسياسيُّ والاقتصاديُّ والاجتماعيُّ والعسكريُّ؛ فتكون سننُ الله بأهله؛ كيف به في زمنٍ عمَّ فيه الجهل وطمَّ فيه الظلم؟!

الصادقون أنفسَهم وربَّهم ودينَهم وأمَّتهم؛ لا يتعامَون عن خطاياهم في العمل دقيقِها قبل جليلِها، ولا يجعلون شيئًا من الهزيمة شأن عدوهم وحده؛ كما لا يتعقَّدون بحشد جمهرة أقدار الله (العظيمة المركَّبة الواسعة) في أنفسهم -وحدها- فيلعنونها؛ بل يتبصرون ما لهم وما عليهم، ويتدبرون آيات الله الكونية والشرعية، ويعتبرون بما فات لما هو آتٍ، والأيام دولٌ، والدهر قُلَّبٌ، والليالي حُبَالى.

“وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ * قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّآ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ * إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ * وَاللَّهُ مِن وَرَآئِهِمْ مُّحِيطٌ * بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ”.

هل أتاك حديث صنعة المجاهدين؟

هل أتاك حديث صنعة المجاهدين؟ صنعة الحياة بالموت؛ يموتون ليحيا العالَمون.

تلك صنعةٌ قَصَرَها المنَّان عليهم، وحَصَرَها فيهم؛ “نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَآءُ”، واسعًا عليمًا.

أيها الراسخون في الأرض الشامخون إلى السماء؛ لو كانت الأعمار توهب لوُهبت لأجلكم؛ رخيصةً لكم نفيسةً بكم؛ أنتم النافعون بالذلة الأولياء، الضارُّون بالعزة الأعداء، حُرَّاس الديار حُفَّاظ الأعراض صُوَّان الأموال حُمَاة الدين، من عقد ذو الجلال والإكرام معكم بيعه وبيعته دون الناس أجمعين.

ما عسعس على الإسلام ليلٌ، ولا تنفس على المسلمين صبحٌ؛ إلا وأنتم أرضى أهل الأرض أعمالًا، وأشبههم بأهل السماوات أحوالًا، أهنأُ المؤمنين في الدنيا عيشًا، وأحظاهم في الآخرة جزاءً، قد أمسى الفرق بينكم وبين جميع من عداكم جسيمًا، “وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا”.

لولا أنتم -أينما كنتم- لكنا أرقَّاءَ أذلَّاءَ صاغرين؛ في علِّيين شبعُكم كما تجوعون، وعند ربكم ريُّكم كما تظمئون، ومن لدنه أمنُكم كما تخافون، ويوم زيارته أنسُكم كما تستوحشون؛ قد أفلح السائحون.

عليكم سلام الله المؤمن السلام، ورحمته وبركاته إلى دار السلام؛ عن أطفالٍ قعودٍ يعرفون أقداركم.